ولما سمعته الملائكة يقول هذه المقالة، ووجدوا قومه قد غلبوه وعجز عن مدافعتهم ﴿ قَالُواْ يالُوطٍ إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ ﴾ أخبروه أوّلاً أنهم رسل ربه، ثم بشّروه بقولهم :﴿ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ ﴾ وهذه الجملة موضحة لما قبلها ؛ لأنهم إذا كانوا مرسلين من عند الله إليه لم يصل عدوّه إليه ولم يقدروا عليه، ثم أمروه أن يخرج عنهم، فقالوا له :﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل ﴾ قرأ نافع وابن كثير بالوصل، وقرأ غيرهما بالقطع، وهما لغتان فصيحتان.
قال الله تعالى :﴿ واليل إِذَا يَسْرِ ﴾ [ الفجر : ٤ ] وقال :﴿ سُبْحَانَ الذى أسرى ﴾ [ الإسراء : ١ ] وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال :
حي النضير وربة الخدر... أسرت عليه ولم تكن تسري
وقيل : إن أسرى للمسير من أول الليل، وسرى للمسير من آخره، والقطع من الليل : الطائفة منه.
قال ابن الأعرابي :﴿ بقطع من الليل ﴾ : بساعة منه.
وقال الأخفش : بجنح من الليل.
وقيل : بظلمة من الليل.
وقيل : بعد هدوّ من الليل، قيل : إن السرى لا يكون إلا في الليل، فما وجه زيادة بقطع من الليل؟ قيل : لو لم يقل بقطع من الليل لجاز أن يكون في أوّله قبل اجتماع الظلمة، وليس ذلك بمراد ﴿ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ﴾ أي : لا ينظر إلى ما وراءه، أو يشتغل بما خلفه من مال أو غيره.


الصفحة التالية
Icon