قيل : وجه النهي عن الالتفات أن لا يروا عذاب قومهم، وهول ما نزل بهم، فيرحموهم ويرقوا لهم، أو لئلا ينقطعوا عن السير المطلوب منهم بما يقع من الالتفات، فإنه لا بدّ للملتفت من فترة في سيره ﴿ إِلاَّ امرأتك ﴾ بالنصب على قراءة الجمهور، وقرأ أبو عمرو، وابن كثير بالرفع على البدل، فعلى القراءة الأولى امرأته مستثناة من قوله :﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ﴾ أي : أسر بأهلك جميعاً إلا امرأتك فلا تسر بها، فإنه ﴿ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ﴾ من العذاب، وهو رميهم بالحجارة لكونها كانت كافرة.
وأنكر قراءة الرفع جماعة منهم أبو عبيد وقال : لا يصح ذلك إلا برفع ﴿ يلتفت ﴾ ويكون نعتاً، لأن المعنى يصير إذا أبدلت وجزمت أن المرأة أبيح لها الالتفات وليس المعنى كذلك.
قال النحاس : وهذا العمل من أبي عبيد وغيره على مثل أبي عمرو مع جلالته ومحله من العربية لا يجب أن يكون، والرفع على البدل له معنى صحيح، وهو أن يكون استثناء من النهي عن الالتفات، أي لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، فإنها تلتفت وتهلك.
وقيل : إن الرفع على البدل من ﴿ أحد ﴾، ويكون الالتفات بمعنى التخلف لا بمعنى النظر إلى الخلف، فكأنه قال : ولا يتخلف منكم أحد إلا امرأتك، فإنها تتخلف، والملجىء إلى هذا التأويل البعيد الفرار من تناقض القراءتين، والضمير في ﴿ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ﴾ للشأن، والجملة خبر إنّ ﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح ﴾ هذه الجملة تقليل لما تقدّم من الأمر بالإسراء والنهي عن الالتفات، والمعنى : أن موعد عذابهم الصبح المسفر عن تلك الليلة، والاستفهام في ﴿ أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ ﴾ للإنكار التقريري، والجملة تأكيد للتعليل.
وقرأ عيسى بن عمر " أليس الصبح " بضم الباء وهي لغة، ولعلّ جعل الصبح ميقاتاً لهلاكهم لكون النفوس فيه أسكن، والناس فيه مجتمعون لم يتفرّقوا إلى أعمالهم.