لقد كان يعرف قومه. ويعرف ما أصاب فطرتهم من انحراف وشذوذ عجيبين. إذ يتركون النساء إلى الرجال، مخالفين الفطرة التي تهتدي إلى حكمة خلق الأحياء جميعاً أزواجاً، كي تمتد الحياة بالنسل ما شاء لها الله. والتي تجد اللذة الحقيقية في تلبية نداء الحكمة الأزلية، لا عن تفكير وتدبير، ولكن عن اهتداء واستقامة. والبشرية تعرف حالات مرضية فردية شاذة، ولكن ظاهرة قوم لوط عجيبة. وهي تشير إلى أن المرض النفسي يعدي كالمرض الجسدي. وأنه يمكن أن يروج مرض نفسي كهذا نتيجة لاختلال المقاييس في بيئة من البيئات، وانتشار المثل السيئ، عن طريق إيحاء البيئة المريضة. على الرغم من مصادمته للفطرة، التي يحكمها الناموس الذي يحكم الحياة. الناموس الذي يقتضي أن تجد لذتها فيما يلبي حاجة الحياة لا فيما يصادمها ويعدمها. والشذوذ الجنسي يصادم الحياة ويعدمها، لأنه يذهب ببذور الحياة في تربة خبيثة لم تعد لاستقبالها وإحيائها. بدلاً من الذهاب بها إلى التربة المستعدة لتلقيها وإنمائها. ومن أجل هذا تنفر الفطرة السليمة نفوراً فطرياً لا أخلاقياً فحسب من عمل قوم لوط. لأن هذه الفطرة محكومة بقانون الله في الحياة. الذي يجعل اللذة الطبيعية السليمة فيما يساعد على إنماء الحياة لا فيما يصدمها ويعطلها.
ولقد نجد أحياناً لذة في الموت في سبيل غاية أسمى من الحياة الدنيا ولكنها ليست لذة حسية إنما هي معنوية اعتبارية. على أن هذه ليست مصادفة للحياة، إنما هي إنماء لها وارتفاع بها من طريق آخر. وليست في شيء من ذلك العمل الشاذ الذي يعدم الحياة وخلاياها..
سيئ لوط بأضيافه. وهو يعلم ما ينتظرهم من قومه، ويدرك الفضيحة التي ستناله في أضيافه :
﴿ وقال : هذا يوم عصيب ﴾ !
وبدأ اليوم العصيب!
﴿ وجاءه قومه يهرعون إليه ﴾.. أي يسرعون في حالة تشبه الحمى.
﴿ ومن قبل كانوا يعملون السيئات ﴾..