البحث الثاني : أنه تعالى توعدهم بعذاب يحيط بهم بحيث لا يخرج منه أحد، والمحيط من صفة اليوم في الظاهر، وفي المعنى من صفة العذاب وذلك مجاز مشهور كقوله :﴿هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [ هود : ٧٧ ].
البحث الثالث : اختلفوا في المراد بهذا العذاب فقال بعضهم : هو عذاب يوم القيامة، لأنه اليوم الذي نصب لإحاطة العذاب بالمعذبين، وقال بعضهم : بل يدخل فيه عذاب الدنيا والآخرة وقال بعضهم : بل المراد منه عذاب الاستئصال في الدنيا كما في حق سائر الأنبياء والأقرب دخول كل عذاب فيه وإحاطة العذاب بهم كإحاطة الدائرة بما في داخلها فينالهم من كل وجه وذلك مبالغة في الوعد كقوله :﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [ الكهف : ٤٢ ] ثم قال :﴿وياقوم أَوْفُواْ المكيال والميزان بالقسط ﴾.
فإن قيل : وقع التكرير في هذه الآية من ثلاثة أوجه لأنه قال أولاً ﴿وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان﴾ ثم قال :﴿أَوْفُواْ المكيال والميزان﴾ وهذا عين الأول.
ثم قال :﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءهُمْ﴾ وهذا عين ما تقدم فما الفائدة في هذا التكرير ؟
قلنا : إن فيه وجوهاً :
الوجه الأول : أن القوم كانوا مصرين على ذلك العمل فاحتج في المنع منه إلى المبالغة والتأكيد، والتكرير يفيد التأكيد وشدة العناية والاهتمام.
والوجه الثاني : أن قوله :﴿وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان﴾ نهي عن التنقيص وقوله :﴿أَوْفُواْ المكيال والميزان﴾ أمر بإيفاء العدل، والنهي عن ضد الشيء مغاير للأمر به، وليس لقائل أن يقول : النهي عن ضد الشيء أمر به، فكان التكرير لازماً من هذا الوجه، لأنا نقول : الجواب من وجهين : الأول : أنه تعالى جمع بين الأمر والشيء، وبين النهي عن ضده للمبالغة، كما تقول : صل قرابتك ولا تقطعهم، فيدل هذا الجمع على غاية التأكيد.