ثم نقول المعنى : ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير من البخس والتطفيف يعني المال الحلال الذي يبقى لكم خير من تلك الزيادة الحاصلة بطريق البخس والتطفيف وقال الحسن : بقية الله أي طاعة الله خير لكم من ذلك القدر القليل، لأن ثواب الطاعة يبقى أبداً، وقال قتادة : حظكم من ربكم خير لكم، وأقول المراد من هذه البقية إما المال الذي يبقى عليه في الدنيا، وإما ثواب الله، وأما كونه تعالى راضياً عنه والكل خير من قدر التطفيف، أما المال الباقي فلأن الناس إذا عرفوا إنساناً بالصدق والأمانة والبعد عن الخيانة اعتمدوا عليه ورجعوا في كل المعاملات إليه فيفتح عليه باب الرزق، وإذا عرفوه بالخيانة والمكر انصرفوا عنه ولم يخالطوه ألبتة فتضيق أبواب الرزق عليه، وأما إن حملنا هذه البقية على الثواب فالأمر ظاهر، لأن كل الدنيا تفنى وتنقرض وثواب الله باق، وأما إن حملناه على حصول رضا الله تعالى فالأمر فيه ظاهر، فثبت بهذا البرهان أن بقية الله خير.
ثم قال :﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ وإنما شرط الإيمان في كونه خيراً لهم لأنهم إن كانوا مؤمنين مقرين بالثواب والعقاب عرفوا أن السعي في تحصيل الثواب وفي الحذر من العقاب خير لهم من السعي في تحصيل ذلك القليل.
واعلم أن المعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط، فهذه الآية تدل بظاهرها على أن من لم يحترز عن هذا التطفيف فإنه لا يكون مؤمناً.
ثم قال تعالى :﴿وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ وفيه وجهان : الأول : أن يكون المعنى : إني نصحتكم وأرشدتكم إلى الخير ﴿وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ أي لا قدرة لي على منعكم عن هذا العمل القبيح.