وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ﴾
أي وأرسلنا إلى مدين، ومدين هم قوم شعيب.
وفي تسميتهم بذلك قولان : أحدهما أنهم بنو مدين بن إبراهيم ؛ فقيل : مدين والمراد بنو مدين.
كما يقال مُضَر والمراد بنو مُضَر.
الثاني أنه اسم مدينتهم، فنسبوا إليها.
قال النحاس : لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة ؛ وقد تقدّم في "الأعراف" هذا المعنى وزيادة.
﴿ قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ ﴾ تقدّم.
﴿ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان ﴾ كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف ؛ كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، واستوفوا بغاية ما يَقدِرون ( عليه ) وظلموا ؛ وإن جاءهم مشتَرٍ للطعام باعوه بكيل ناقص، وشحّحوا له بغاية ما يقدِرون ؛ فأمروا بالإيمان إقلاعاً عن الشرك، وبالوفاء نهياً عن التطفيف.
﴿ إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ﴾ أي في سَعة من الرزق، وكثرة من النِّعم.
وقال الحسن : كان سعرهم رخيصاً.
﴿ وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾ وصف اليوم بالإحاطة، وأراد وصف ذلك اليوم بالإحاطة بهم ؛ فإن يوم العذاب إذا أحاط بهم فقد أحاط العذاب بهم، وهو كقولك : يوم شديد ؛ أي شديد حرّه.
واختلف في ذلك العذاب ؛ فقيل : هو عذاب النار في الآخرة.
وقيل : عذاب الاستئصال في الدنيا.
وقيل : غلاء السعر ؛ روي معناه عن ابن عباس.
وفي الحديث عن النبي ﷺ :" ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء " وقد تقدّم.
قوله تعالى :﴿ ويا قوم أَوْفُواْ المكيال والميزان بالقسط ﴾ أمر بالإيفاء بعد أن نهى عن التطفيف تأكيداً.
والإيفاء الإتمام.
"بالقسطِ" أي بالعدل والحق، والمقصود أن يصل كل ذي نصيب إلى نصيبه ؛ وليس يريد إيفاء المكيل والموزون لأنه لم يقل : أوفوا بالمكيال وبالميزان ؛ بل أراد ألا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود، وكذا الصنجات.