يعني وأرسلنا إلى مدين ﴿ أخاهم شعيباً ﴾ مدين اسم لابن إبراهيم الخليل عليه السلام ثم صار إسماً للقبيلة من أولاده وقيل هو اسم مدينة بناها مدين بن إبراهيم فعلى هذا يكون التقدير وأرسلنا إلى أهل مدين فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه ﴿ قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾ يعني وحِّدوا الله ولا تعبدوا معه غيره كانت عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبدؤون بالأهم فالأهم ولما كانت الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء قال شعيب إعبدوا الله ما لكم من إله غيره ثم بعد الدعوة إلى التوحيد شرع فيما هم فيه ولما كان المعتاد من أهل مدين البخس في الكيل والوزن دعاهم إلى ترك هذه العادة القبيحة وهي تطفيف الكيل والوزن فقال ﴿ ولا تنقصوا المكيال والميزان ﴾ النقص في الكيل والوزن على وجهين أحدهما : أن يكون الاستنقاص من قبلهم فيكيلون ويزنون للغير ناقصاً، والوجه الآخر : هو استيفاء الكيل والوزن لأنفسهم زائداً عن حقهم فيكون نقصاً في مال الغير وكلا الوجهين مذموم فلهذا نهاهم شعيب عن ذلك بقوله ولا تنقصوا المكيال والميزان ﴿ إني أراكم بخير ﴾ قال ابن عباس : كانوا موسرين في نعمة وقال مجاهد : كانوا في خصب وسعة فحذرهم زوال تلك النعمة وغلاء السعر وحصول النقمة إن لم يتوبوا ولم يؤمنوا وهو قوله :﴿ وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ﴾ يعني : يحيط بكم فيهلككم جميعاً وهو عذاب الاستئصال في الدنيا أو حذرهم عذاب الآخرة ومنه قوله سبحانه وتعالى وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ﴿ ويا قوم أوفوا المكيال والميزان ﴾ أي أتموهما ولا تطففوا فيهما ﴿ بالقسط ﴾ أي بالعدل، وقيل : بتقويم لسان الميزان وتعديل المكيال ﴿ ولا تبخسوا الناس ﴾ أي : ولا تنقصوا الناس ﴿ أشياءهم ﴾ يعني أموالهم فإن قلت قد وقع التكرار في هذه القصة من ثلاثة أوجه لأنه قال ولا تنقصوا المكيال والميزان، ثم قال : أوفوا المكيال والميزان وهذا عين الأول ثم قال ولا تبسخوا الناس


الصفحة التالية
Icon