وقال أبو السعود :
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ ﴾
أي أولاد مدينَ بنِ إبراهيم عليه السلام أو جعل اسماً للقبيلة بالغلبة أو أهلِ مدينَ وهو بلدٌ بناه مدينُ فسُمّي باسمه ﴿ أخاهم ﴾ أي نسيبَهم ﴿ شُعَيْبًا ﴾ وهو ابن ميكيلَ بنِ يشجُرَ بنِ مدينَ وكان يقال له خطيبُ الأنبياءِ لحسن مراجعتِه قومَه، والجملةُ معطوفةٌ على قوله تعالى :﴿ إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا ﴾ أي وأرسلنا إلى مدينَ أخاهم شعيباً ﴿ قَالَ ﴾ استئنافٌ وقع جواباً عن سؤال نشأ عن صدر الكلام فكأنه قيل : فماذا قال لهم؟ فقيل : قال كما قال مَنْ قبله من الرسل عليهم السلام ﴿ يَا قَومِ اعبدوا الله ﴾ وحدَه ولا تشركوا به شيئاً ﴿ مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ ﴾ تحقيقٌ للتوحيد وتعليلٌ للأمر به وبعد ما أمرهم بما هو مَلاكُ أمر الدينِ وأولُ ما يجب على المكلّفين نهاهم عن ترتيب مبادىءِ ما اعتادوه من البَخْس والتطفيف عادةً مستمرةً فقال :﴿ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان ﴾ كي تتوسلوا بذلك إلى بخس حقوقِ الناس ﴿ إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ﴾ أي ملتبسين بثروة واسعةٍ تُغنيكم عن ذلك أو بنعمة من الله تعالى حقها أن تقابل بغير ما تأتونه من المسامحة والتفضل على الناس شكراً عليها أو أراكم بخير فلا تُزيلوه بما أنتم عليه من الشر على كل حال، علةٌ للنهي عُقّبت بعلة أخرى أعني قولَه عز وجل :﴿ وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾ إن لم تنتهوا عن ذلك ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾ لا يشِذّ منه شاذٌّ منكم، وقيل : عذابَ يومٍ مُهلك من قوله تعالى :﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ وأصلُه من إحاطة العدو، والمرادُ عذابُ يومِ القيامة أو عذابُ الاستئصالِ، ووصفُ اليومِ بالإحاطة وهي حالُ العذاب على الإسناد المجازيِّ وفيه من المبالغة ما لا يخفى، فإن اليومَ زمانٌ يشتمل على ما وقع فيه من الحوادث فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذَّب ما اشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه، ويجوز أن يكون هذا تعليلاً للأمر والنهي جميعاً { وياقوم أَوْفُواْ


الصفحة التالية
Icon