وتعقب بأن حمل هذين اللفظين وقد تكررا في أحد الموضعين على أحد معنيين متغايرين خلاف الظاهر، وأن في التكرار من الفوائد ما جعله أقوى من التأسيس فلا ينبغي الهرب منه، وأما العطف فلأن اختلاف المقاصد في ذينك المتعاطفين جعلهما كالمتغايرين فحسن لذلك، وقد صرح به أهل المعاني في قوله سبحانه :﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ ﴾ [ إبراهيم : ٦ ] انتهى.
وفي ورود ما تعقب به أولاً تأمل فتأمل، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءهُمْ ﴾ يحتمل أن يكون تعميماً بعد تخصيص فإنه يشمل الجودة والرداءة وغير المكيل والموزون أيضاً فهو تذييل وتتميم لما تقدم، وكذا قوله سبحانه :﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ ﴾ فإن العثى يعم تنقيص الحقوق وغيره لأنه عبارة عن مطلق الفساد، وفعله من باب رمي.
وسعي.
ورضى، وجاء واوياً.
ويائياً، ويحتمل أن يكون نهياً عن بخس المكيل والموزون بعد النهي عن نقص المعيار والأمر بإيفائه أي لا تنقصوا الناس بسبب نقص المكيال والميزان وعدم اعتدالهما أشياءهم التي يشترونها بهما، والتصريح بهذا انلهي بعد ما علم في ضمن النهي، والأمرين السابقين للاهتمام بشأنه والترغيب في إيفاء الحقوق بعد الترهيب والزجر عن نقصها، وإلى كل من الاحتمالين ذهب بعض، وهو مبني على ما علمت من الاختلاف السابق في تفسير ما سبق، وقيل : المراد بالبخس المكس كأخذ العشور على نحو ما يفعل اليوم، والعثى السرقة وقطع الطريق والغارة، و﴿ مُفْسِدِينَ ﴾ حال من ضمير ﴿ تَعْثَوْاْ ﴾، وفائدة ذلك إخراج ما يقصد به الإصلاح كما فعل الخضر عليه السلام من قتل الغلام.


الصفحة التالية
Icon