في الأموال بظن التبذير - فقد صرت بدعائنا إلى كل من الأمرين حينئذ داعياً إلى ضد ما أنت متلبس به ﴿إنك﴾ إذاً ﴿لأنت﴾ وحدك ﴿الحليم﴾ في رضاك بما يغضب منه ذوو الأرحام ﴿الرشيد﴾ في تضييع الأموال، يريدون بهذا كما زعموا - سلخه من كل ما هو متصف به دونهم من هاتين الصفتين الفائقتين بما خيل إليهم سفههم أنه دليل عليه قاطع، وعنوا بذلك نسبته إلى السفه والغي على طريق التهكم.
ولما اتهموه بالقطيعة والسفه، شرع في إبطال ما قالوا ونفي التهمة فيهن وأخرج مخرج الجواب لمن كأنه قال : ما أجابهم به؟ فقيل :﴿قال يا قوم﴾ مستعطفاً لهم بما بينهم من عواطف القرابة منبهاً لهم على حسن النظر فيما ساقه على سبيل الفرض والتقدير ليكون أدعى إلى الوفاق والإنصاف ﴿أرءيتم﴾ أي أخبروني ﴿إن كنت﴾ أي كوناً هو في غاية الثبات ﴿على بينة﴾ أي برهان ﴿من ربي﴾ الذي أحسن إليّ بما هو إحسان إليكم، وعطف على جملة الشرط المستفهم عنه قوله :﴿و﴾ قد ﴿رزقني﴾ وعظم الرزق بقوله :﴿منه رزقاً حسناً﴾ جليلاً ومالاً جماً حلالاً لم أظلم فيه أحداً، والجواب محذوف لتذهب النفس فيه كل مذهب، ويمكن أن يقال فيه : هل يسع عاقلاً أن ينسبني إلى السفه بتبذير المال بترك الظلم، أو يسعني أن أحلم عمن عبد غيره وأترك دعاءكم إلى الله، فقد بان بهذا أني ما أمرتكم بما يسوءكم من ترك ما ألفتم وتعرضت لغضبكم كلكم، وتركت مثل أفعالكم إلا خوفاً من غضبه ورجاء لرضاه، فظهر أن لا تهمة في شيء من أمري ولا خطأ، ما فعلت قط ما نهيتكم عنه فيما مضى ﴿وما أريد﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿أن أخالفكم﴾ أي بأن أذهب وحدي ﴿إلى ما أنهاكم عنه﴾ في المستقبل، وما نقص مال بترك مثل أفعالكم، فهو إرشاد إلى النظر في باب :
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله...
عار عليك إذا فعلت عظيم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها...
فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم