فإن قيل : القاضي استدل بهذه الآية أيضاً على أن كل من حضر عرصة القيامة فإنه لا بد وأن يكون ثوابه زائداً أو يكون عقابه زائداً، فأما من كان ثوابه مساوياً لعقابه فإنه وإن كان جائزاً في العقل، إلا أن هذا النص دل على أنه غير موجود.
قلنا : الكلام فيه ما سبق من أن السعيد هو الذي يكون من أهل الثواب، والشقي هو الذي يكون من أهل العقاب، وتخصيص هذين القسمين بالذكر لا يدل على نفي القسم الثالث، والدليل على ذلك : أن أكثر الآيات مشتملة على ذكر المؤمن والكافر فقط، وليس فيه ذكر ثالث لا يكون لا مؤمناً ولا كافراً مع أن القاضي أثبته، فإذا لم يلزم من عدم ذكر ذلك الثالث عدمه فكذلك لا يلزم من ذكر هذا الثالث عدمه.
المسألة الثالثة :
اعلم أنه تعالى حكم الآن على بعض أهل القيامة بأنه سعيدٌ، وعلى بعضهم بأنه شقيٌ، ومن حكم الله عليه بحكم وعلم منه ذلك الأمر امتنع كونه بخلافه، وإلا لزم أن يصير خبر الله تعالى كذباً وعلمه جاهلاً وذلك محال فثبت أن السعيد لا ينقلب شقياً وأن الشقي لا ينقلب سعيداً، وتقرير هذا الدليل مر في هذا الكتاب مراراً لا تحصى.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لما نزل قوله تعالى :﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ قلت يا رسول الله فعلى ماذا نعمل على شيء قد فرغ منه أم على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال :" على شيء قد فرغ منه يا عمر وجفت به الأقلام وجرت به الأقدار، ولكن كل ميسر لما خلق له " وقالت المعتزلة : نقل عن الحسن أنه قال : فمنهم شقي بعمله وسعيد بعمله.
قلنا : الدليل القاطع لا يدفع بهذه الروايات وأيضاً فلا نزاع أنه إنما شقي بعمله وإنما سعد بعمله ولكن لما كان ذلك العمل حاصلاً بقضاء الله وقدره كان الدليل الذي ذكرناه باقياً.
واعلم أنه تعالى لما قسم أهل القيامة إلى هذين القسمين شرح حال كل واحد منهما فقال :﴿فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِى النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon