الوجه الرابع : قال أبو مسلم : الزفير : ما يجتمع في الصدر من النفس عند البكاء الشديد فينقطع النفس، والشهيق : هوا الذي يظهر عند اشتداد الكربة والحزن، وربما تبعهما الغشية، وربما حصل عقيبه الموت.
الوجه الخامس : قال أبو العالية : الزفير في الحلق والشهيق في الصدر.
الوجه السادس : قال قوم : الزفير الصوت الشديد، والشهيق الصوت الضعيف.
الوجه السابع : قال ابن عباس رضي الله عنهما :﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ يريد ندامة ونفساً عالية وبكاء لا ينقطع وحزناً لا يندفع.
الوجه الثامن : الزفير مشعر بالقوة، والشهيق بالضعف على ما قررناه بحسب اللغة.
إذا عرفت هذا فنقول : لم يبعد أن يكون المراد من الزفير قوة ميلهم إلى عالم الدنيا وإلى اللذات الجسدانية، والمراد من الشهيق ضعفهم عن الاستسعاد بعالم الروحانيات والاستكمال بالأنوار الإلهية والمعارج القدسية.
ثم قال تعالى :﴿خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض إِلا ما شاء رَبَّكَ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
قال قوم إن عذاب الكفار منقطع ولها نهاية، واحتجوا بالقرآن والمعقول.
أما القرآن فآيات منها هذه الآية والاستدلال بها من وجهين : الأول : أنه تعالى قال :﴿مَا دَامَتِ السموات والأرض﴾ دل هذا النص على أن مدة عقابهم مساوية لمدة بقاء السموات والأرض، ثم توافقنا على أن مدة بقاء السموات والأرض متناهية فلزم أن تكون مدة عقاب الكفار منقطعة.
الثاني : أن قوله :﴿إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ﴾ استثناء من مدة عقابهم وذلك يدل على زوال ذلك العذاب في وقت هذا الاستثناء ومما تمسكوا به أيضاً قوله تعالى في سورة عم يتساءلون :
﴿لابثين فِيهَا أَحْقَاباً﴾ [ النبأ : ٢٣ ] بين تعالى أن لبثهم في ذلك العذاب لا يكون إلا أحقاباً معدودة.
وأما العقل فوجهان : الأول : أن معصية الكافر متناهية ومقابلة الجرم المتناهي بعقاب لا نهاية له ظلم وأنه لا يجوز.