فإن قيل : إذا حملتم الآيات المذكورة في قوله :﴿بئاياتنا﴾ على المعجزات والسلطان أيضاً على الدلائل والمبين أيضاً معناه كونه سبباً للظهور فما الفرق بين هذه المراتب الثلاثة ؟
قلنا : الآيات اسم للقدر المشترك بين العلامات التي تفيد الظن، وبين الدلائل التي تفيد اليقين وأما السلطان فهو اسم لما يفيد القطع واليقين، إلا أنه اسم للقدر المشترك بين الدلائل التي تؤكد بالحس، وبين الدلائل التي لم تتأكد بالحس، وأما الدليل القاطع الذي تأكد بالحس فهو السلطان المبين، ولما كانت معجزات موسى عليه السلام هكذا لا جرم وصفها الله بأنها سلطان مبين.
ثم قال :﴿إلى فِرْعَوْنَ وملائه﴾ يعني وأرسلنا موسى بآياتنا بمثل هذه الآيات إلى فرعون وملائه، أي جماعته.
ثم قال :﴿فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ ويحتمل أن يكون المراد أمره إياهم بالكفر بموسى ومعجزاته ويحتمل أن يكون المراد من الأمر الطريق والشأن.
ثم قال تعالى :﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ أي بمرشد إلى خير، وقيل رشيد أي ذي رشد.
واعلم أن بعد طريق فرعون من الرشد كان ظاهراً لأنه كان دهرياً نافياً للصانع والمعاد وكان يقول : لا إله للعالم وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم وعبوديته رعاية لمصلحة العالم وأنكر أن يكون الرشد في عبادة الله ومعرفته فلما كان هو نافياً لهذين الأمرين كان خالياً عن الرشد بالكلية، ثم إنه تعالى ذكر صفته وصفة قومه فقال :﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار﴾ وفيه بحثان :
البحث الأول : من حيث اللغة يقال : قدم فلان فلاناً بمعنى تقدمه، ومنه قادمة الرجل كما يقال قدمه بمعنى تقدمه، ومنه مقدمة الجيش.