ويبيِّن الحق سبحانه : لا تعتقدوا أن تأجيل العذاب ليوم القيامة يعني الإفلات من العذاب، بل كل واحد سيوفِّى جزاء عمله ؛ بالثواب لمن أطاع، وبالعقاب لمن عصا، فأمر الله سبحانه آت لا محالة وتوفية الجزاء إنما تكون على قدر الأعمال، كفراً أو إيماناً، صلاحاً أو فساداً، وميعاد ذلك هو يوم القيامة.
وهنا وقفة في أسلوب النص القرآني، حتى يستوعب الذين لا يفهمون اللغة العربية كمَلَكة، كما فهمها العرب الأقدمون.
ونحن نعلم أن العربي القديم لم يجلس إلى معلم، لكنه فهم اللغة ونطق بها صحيحة ؛ لأنه من أمة مفطورة على الأداء البياني الدقيق، الرقيق، الرائع.
فاللغة كما نعلم ليست جنساً، وليست دماً، بل هي ظاهرة اجتماعية، فالمجتمع الذي ينشأ فيه الطفل هو الذي يحدد لغته، فالطفل الذي ينشأ في مجتمع يتحدث العربية، سوف ينطق بالعربية، والطفل الذي يوجد في مجتمع يتحدث اللغة الإنجليزية، سينطق بالإنجليزية ؛ لأن اللغة هي ما ينطق به اللسان حسبما تسمع الأذن.
وكانت غالبية البيئة العربية في الزمن القديم بيئة منعزلة، وكان من ينشأ فيها إنما يتكلم اللغة السليمة.
أما العربي الذي عاش في حاضرة مثل مكة، ومكة بما لها من مكانة كانت تستقبل أغراباً كثيرين ؛ ولذلك كان أهل مكة يأخذون الوليد فيها لينقلوه إلى البادية ؛ حتى لا يسمع إلا اللغة العربية الفصيحة، وحتى لا يحتاج إلى من يضبط لسانه على لغة العرب الصافية.
ولنقرِّبْ هذا الأمر، ولننظر إلى أن هناك في حياتنا الآن لغتين : لغة نتعلمها في المنازل والشوارع ونتخاطب بها، وتسمى " اللغة العامية "، ولغة أخرى نتعلمها في المدارس، وهي اللغة المصقولة المميزة بالفصاحة والضبط.
وكان أهل مكة يرسلون أبناءهم إلى البادية لتلتقط الأذن الفصاحة، وكانت اللغة الفصيحة هي " العامية " في البادية، ولم يكن الطفل في البادية يحتاج إلى معلم ليتعلمها ؛ لأن أذنه لا تسمع إلا الفصاحة.