وقال أبو جعفر :" القراءةُ بتشديدهما عند أكثر النحويين لحن، حُكِيَ عن محمد بن يزيد أنه قال :" إنَّ هذا لا يجوز، ولا يقال :" إنَّ زيداً إلا لأضربنَّه "، ولا " لَمَّا لأضربنَّه ". قال :" وقال الكسائي : اللَّهُ عَزَّ وجلَّ أعلم، لا أعرف لهذه القراءة وجهاً " وقد تقدَّم ذلك، وتقدَّم أيضاً أن الفارسي قال :" كما لا يحسن :" إنَّ زيداً إلا لمنطلق " ؛ لأنَّ " إلا " إيجاب بعد نفي، ولم يتقدم هنا إلا إيجابٌ مؤكَّد، فكذا لا يحسن " إنَّ زيداً لما منطلق "، لأنه بمعناه، وإنما ساغ " نَشَدْتُك باللَّه لمَّا فعلت " إلى آخر ما ذكرته عنه. وهذه كلُّها أقوالٌ مرغوبٌ عنها لأنها معارِضة للمتواترِ القطعي.
وأمَّا القراءات الشاذة فأوَّلُها قراءةُ أُبَيّ ومَنْ تبعه :﴿ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا ﴾ بتخفيف " إنْ " ورفع " كل " على أنها إنْ النافية و " كلٌّ " مبتدأ، و " لمَّا " مشددة بمعنى إلاَّ، و " لَيُوَفِّيَنَّهم " جوابُ قسمٍ محذوفٍ، وذلك القسمُ وجوابُه خبرُ المبتدأ. وهي قراءةٌ جليَّة واضحةٌ كما قرؤوا كلُّهم :﴿ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ ﴾ [ يس : ٣٢ ] ومثلُه :﴿ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ﴾ [ الزخرف : ٣٥ ]، ولا التفاتَ إلى قولِ مَنْ نفى أنَّ " لمَّا " بمنزلةِ إلاَّ فقد تقدَّمَتْ أدلتُه.
وأمَّا قراءةُ اليزيدي وابن أرقم " لَمَّاً " بالتشديد منونةً ف " لمَّاً " فيها مصدرٌ مِنْ قولهم :" لَمَمْتُه أي جمعته لمَّاً "، ومنه قولُه تعالى :﴿ وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً ﴾ [ الفجر : ١٩ ] ثم في تخريجه وجهان، أحدُهما ما قاله أبو الفتح، وهو أن يكونَ منصوباً بقوله :" ليوفينَّهم " على حَدِّ قولِهم :" قياماً لأقومَنَّ، وقعوداً لأقعدَنَّ " والتقدير : توفيةً جامعةً لأعمالهم ليوفِّيَنَّهم، يعني أنه منصوبٌ على المصدر الملاقي لعاملِه في المعنى دون الاشتقاق.