إذا عرفت هذا في المثال فاعرف مثاله في جميع أبواب العبودية، فأولها : معرفة الله تعالى وتحصيل هذه المعرفة على وجه يبقى العبد مصوناً في طرف الإثبات عن التشبيه، وفي طرف النفي عن التعطيل في غاية الصعوبة، واعتبر سائر مقامات المعرفة من نفسك، وأيضاً فالقوة الغضبية والقوة الشهوانية حصل لكل واحدة منهما طرفا إفراط وتفريط وهما مذمومان، والفاصل هو المتوسط بينهما بحيث لا يميل إلى أحد الجانبين، والوقوف عليه صعب ثم العمل به أصعب، فثبت أن معرفة الصراط المستقيم في غاية الصعوبة، بتقدير معرفته فالبقاء عليه والعمل به أصعب، ولما كان هذا المقام في غاية الصعوبة لا جرم قال ابن عباس : ما نزلت على رسول الله ﷺ في جميع القرآن آية أشد ولا أشق عليه من هذه الآية، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :" شيبتني هود وأخواتها، " وعن بعضهم قال : رأيت النبي ﷺ في النوم فقلت له : روي عنك أنك قلت شيبتني هود وأخواتها فقال :" نعم " فقلت : وبأي آية ؟ فقال بقوله :﴿فاستقم كَمَا أُمِرْتَ ﴾.
المسألة الثانية :
اعلم أن هذه الآية أصل عظيم في الشريعة وذلك لأن القرآن لما ورد بالأمر بأعمال الوضوء مرتبة في اللفظ وجب اعتبار الترتيب فيها لقوله :﴿فاستقم كَمَا أُمِرْتَ﴾ ولما ورد الأمر في الزكاة بأداء الإبل من الإبل والبقر من البقر وجب اعتبارها وكذا القول في كل ما ورد أمر الله تعالى به وعندي أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس، لأنه لما دل عموم النص على حكم وجب الحكم بمقتضاه لقوله :﴿فاستقم كَمَا أُمِرْتَ﴾ والعمل بالقياس انحراف عنه، ثم قال :﴿وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال الواحدي : من في محل الرفع من وجوه : الأول : أن يكون عطفاً على الضمير المستتر في قوله :﴿فاستقم﴾ وأغنى الوصل بالجار عن تأكيده بضمير المتصل في صحة العطف أي فاستقم أنت وهم.


الصفحة التالية
Icon