فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات فالاستقامة فيها: وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله قال بعض العارفين: كن صاحب الاستقامة لا طالب الكرامة فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة وربك يطالبك بالاستقامة
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة
فصل قال صاحب المنازل قدس الله روحه في قوله: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ [ فصعلت: ٦ ] إنه إشارة إلى عين التفريد يريد: أنه أرشدهم إلى شهود تفريده وهو أن لا يروا غير فردانيته
وتفريده نوعان: تفريد في العلم والمعرفة والشهود وتفريد في الطلب والإرادة وهما نوعا التوحيد وفي قوله: عين التفريد إشارة إلى حال الجمع وأحديته التي هي عنده فوق علمه ومعرفته لأن التفرقة قد تجامع علم الجمع وأما حاله: فلا تجامعه التفرقة والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل: قال: الاستقامة: روح تحيا به الأحوال كما تربو للعامة عليها
الأعمال وهي برزخ بين وهاد التفرق وروابي الجمع شبه الاستقامة للحال بمنزلة الروح للبدن فكما أن البدن إذا خلا عن الروح فهو ميت فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد وكما أن حياة الأحوال بها فزيادة أعمال الزاهدين أيضا وربوها وزكاؤها بها فلا زكاء للعمل ولا صحة للحال بدونها
وأما كونها برزخا بين وهاد التفرق وروابي الجمع ف البرزخ هو الحاجز بين شيئين متغايرين و الوهاد الأمكنة المنخفضة من الأرض واستعارها للتفرق لأنها تحجب من يكون فيها عن مطالعة ما يراه من هو على الروابى كما أن صاحب التفرق محجوب عن مطالعة ما يراه صاحب الجمع ويشاهده وأيضا فإن حاله أنزل من حاله فهو كصاحب الوهاد وحال صاحب الجمع أعلى فهو كصاحب الروابي وشبه حال صاحب الجمع بحال من على الروابي