قال القاضي أبو محمد : وهذا كله إنما هو على جهة المثال في الحسنات، ومن أجل أن الصلوات الخمس هي أعظم الأعمال، والذي يظهر أن لفظ الآية لفظ عام في الحسنات خاص في السيئات بقوله عليه السلام :" ما اجتنبت الكبائر ".
وروي أن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار، قيل : هو أبو اليسر بن عمرو، وقيل : اسمه عباد، خلا بامرأة فقبلها وتلذّذ بها فيما دون الجماع، ثم جاء إلى عمر فشكا إليه، فقال : قد ستر الله عليك فاستر على نفسك، فقلق الرجل فجاء أبا بكر فشكا إليه، فقال له مثل مقالة عمر، فقلق الرجل فجاء رسول الله ﷺ، فصلى معه، ثم أخبره وقال : اقض فيَّ ما شئت، فقال الرسول ﷺ لعلها زوجة غاز في سبيل الله، قال : نعم، فوبخه رسول الله ﷺ وقال : ما أدري، فنزلت هذه الآية، فدعاه رسول الله ﷺ، فتلاها عليه : فقال معاذ بن جبل : يا رسول الله خاصة؟ قال : بل للناس عامة. وروي أن الآية كانت نزلت قبل ذلك واستعملها رسول الله ﷺ في ذلك الرجل وروي أن عمر قال ما حكي عن معاذ.
قال القاضي أبو محمد : وروي أن رسول الله ﷺ قال :" الجمعة إلى الجمعة، والصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان - كفارة لما بينها إن اجتنبت الكبائر " فاختلف أهل السنة في تأويل هذا الشرط في قوله :" إن اجتنبت الكبائر "، فقال جمهورهم : هو شرط في معنى الوعد كله، أي إن اجتنبت الكبائر كانت العبادات المذكورة كفارة للذنوب، فإن لم تجتنب لم تكفر العبادات شيئاً من الصغائر. وقالت فرقة : معنى قوله إن اجتنبت : أي هي التي لا تحطها العبادات، فإنما شرط ذلك ليصح بشرطه عموم قوله : ما بينهما، وإن لم تحطها العبادات وحطت الصغائر.


الصفحة التالية
Icon