وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الرُّكُونُ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ النَّقَلَةِ لِلتَّفْسِيرِ، وَحَقِيقَتُهُ الِاسْتِنَادُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قِيلَ فِي الظَّالِمِينَ إنَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ.
وَقِيلَ : إنَّهُمْ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنْكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَقَالُوا : أَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذُنُوبِهِمْ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَا يُرْكَنُ إلَيْهِ فِيهَا.
وَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَصْحَبَ عَلَى الْكُفْرِ، وَفِعْلُ ذَلِكَ كُفْرٌ ؛ وَلَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَفِعْلُ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ قَالَ اللَّهُ فِي الْأَوَّلِ :﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْآيَةُ إنْ كَانَتْ فِي الْكُفَّارِ فَهِيَ عَامَّةٌ فِيهِمْ وَفِي الْعُصَاةِ، وَذَلِكَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ قَوْلِهِ :﴿ وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ﴾.
وَقَدْ قَالَ حَكِيمٌ : عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ مُقْتَدٍ وَالصُّحْبَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ مَوَدَّةٍ، فَإِنْ كَانَتْ عَنْ ضَرُورَةٍ وَتَقِيَّةٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ عَلَى الْمَعْنَى، وَصُحْبَةُ الظَّالِمِ عَلَى التَّقِيَّةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ النَّهْيِ لِحَالِ الِاضْطِرَارِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن لابن العربى حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon