ثم قال تعالى :﴿ ولا تَطْغَوا ﴾ ؛ ولا تخرجوا عما حد لكم، ﴿ إنه بما تعملون بصير ﴾، فيجازيكم على النقير والقطمير، وهو تهديد لمن لم يستقم، وتعليل للأمر والنهي. ﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾ : لا تميلوا إليهم أدنى ميل ؛ فإن الركون : هو الميل اليسير، كالتزيي بزيهم، وتعظيم ذكرهم، وصحبتهم من غير تذكيرهم ووعظهم. ﴿ فتمسَّكم النارُ ﴾ ؛ لركونهم إليهم. قال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عَالِم يَزورُ عَاملاً. أ هـ وقال سفيان : في جهنم وادٍ لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك. أ هـ وقال رسول الله ﷺ :« من دَعَا لِظَالٍمٍ بالبَقَاءِ أي بأن قال : بارك الله في عمرك فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى الله في أرضهِ » وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية، هل يسقى شربة ماء؟ فقال : لا. فقيل له : يموت؟! فقال : دعه يموت. أ هـ وهذا إغراق ولعله في الكافر المحارب، والله أعلم.
قال البيضاوي : وإذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلماً موجباً للنار، فما ظنك بالركون إلى الظالمين الموسومين بالظلم، ثم الميل إليهم، ثم بالظلم نفسه، والانهماك فيه. ولعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه. وخطاب الرسول ﷺ ومن معه من المؤمنين بها ؛ للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل ؛ فإن الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط أو تفريط، ظلم على نفسه أو غيره، بل ظلم في نفسه.


الصفحة التالية
Icon