وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : إنّي عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسّها وها أنا ذا فَاقْض فيّ ما شئت، فلم يرد عليه رسول الله ﷺ شيئاً فانطلق الرجل فأتبعه رجلاً فدعاه فتلا عليه ﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار ﴾ إلى آخر الآية، فقال رجل من القوم : هذا له خاصة؟ قال : لا، بل للنّاس كافة.
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
وأخرج الترمذي حديثين آخرين : أحدهما عن معاذ بن جبل، والآخر عن أبي اليَسر وهو صاحب القصة وضعّفهما.
والظاهر أن المرويّ في هذه الآية هو الذي حمل ابن عبّاس وقتادة على القول بأنّ هذه الآية مدنيّة دون بقية هذه السورة لأنه وقع عند البخاري والترمذي قوله :( فأنزلت عليه ) فإن كان كذلك كما ذكره الرّاوي فهذه الآية ألحقت بهذه السورة في هذا المكان لمناسبة وقوع قوله :﴿ فاستقم كما أمرت ﴾ [ هود : ١١٢ ] قبلها وقولِه :﴿ واصبر فإنّ الله لا يضيعُ أجرَ المحسنين ﴾ [ هود : ١١٥ ] بعدَها.
وأمّا الذين رجّحوا أنّ السورة كلّها مكيّة فقالوا : إنّ الآية نزلت في الأمر بإقامة الصّلوات وإن النبي ﷺ أخبر بها الذي سأله عن القبلة الحرام وقد جاء تائباً ليعلمه بقوله :﴿ إن الحسنات يذهبن السيّئات ﴾، فيؤوّل قولُ الراوي : فأنزلت عليه، أنّه أنزل عليه شمول عموم الحسنات والسيئات لقضيّة السائل ولجميع ما يماثلها من إصابة الذنوب غير الفواحش.
ويؤيّد ذلك ما في رواية الترمذي عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قوله : فتلا عليه رسول الله ﷺ ﴿ وأقم الصّلاة ﴾، ولم يقولا : فَأنْزل عليه.
وقوله :﴿ ذلك ذكْرى للذّاكرين ﴾ أيْ تذْكرة للّذي شأنه أن يذكر ولم يكن شأنه الإعراض عن طلب الرشد والخير، وهذا أفاد العموم نصّاً.


الصفحة التالية
Icon