وبالجملة، فطاعتهم واجبة على كل من صار تحت أمرهم ونهيهم في كل ما يأمرون به مما لم يكن من معصية الله، ولا بدّ في مثل ذلك من المخالطة لهم والدخول عليهم، ونحو ذلك مما لا بدّ منه، ولا محيص عن هذا الذي ذكرناه من وجوب طاعتهم بالقيود المذكورة، لتواتر الأدلة الواردة به، بل قد ورد به الكتاب العزيز :﴿ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ ﴾ [ النساء : ٥٩ ] بل ورد أنهم يعطون الذي لهم من الطاعة، وإن منعوا ما هو عليهم للرعايا كما في بعض الأحاديث الصحيحة :" أعطوهم الذي لهم، واسألوا الله الذي لكم " بل ورد الأمر بطاعة السلطان، وبالغ في ذلك النبي ﷺ حتى قال :" وإن أخذ مالك وضرب ظهرك " فإن اعتبرنا مطلق الميل والسكون، فمجرّد هذه الطاعة المأمور بها مع ما تستلزمه من المخالطة هي ميل وسكون، وإن اعتبرنا الميل والسكون ظاهراً وباطناً فلا يتناول النهي في هذه الآية من مال إليهم في الظاهر، لأمر يقتضي ذلك شرعاً كالطاعة، أو للتقية ومخافة الضرر منهم، أو لجلب مصلحة عامة أو خاصة، أو دفع مفسدة عامة أو خاصة، إذا لم يكن له ميل إليهم في الباطن، ولا محبة، ولا رضا بأفعالهم.
قلت : أما الطاعة على عمومها بجميع أقسامها حيث لم تكن في معصية الله، فهي على فرض صدق مسمى الركون عليها، مخصصة لعموم النهي عنه بأدلتها التي قدّمنا الإشارة إليها، ولا شك في هذا ولا ريب، فكل من أمروه ابتداء أن يدخل في شيء من الأعمال التي أمرها إليهم مما لم يكن من معصية الله، كالمناصب الدينية، ونحوها إذا وثق من نفسه بالقيام بما وكل إليه، فذلك واجب عليه فضلاً عن أن يقال جائز له.