ولما كان المراد القرون التي تقدم ذكر إهلاكها، وكانت أزمنتهم بعض الزمان الماضي، أتى بالجار فقال :﴿من قبلكم أولوا﴾ أي أصحاب ﴿بقية﴾ أي حفظ وخير ومراقبة لما يصلحهم، لأن مادة " بقي " تدور على الجمع، ويلزمه القوة والثبات والحفظ، من قولهم : ابقه بقوتك مالك - وزن ادعه - أي احفظه حفظك مالك، ويلزمه النظر والمراقبة : بقيت الشيء - إذا نظرت إليه ورصدته، ويلزمه الثبات : بقي بقاء - إذا دام، والخير والجودة ؛ قال الزمخشري : لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله، ويقال : فلان من بقية قوم، أي من خيارهم، وسيأتي شرح ذلك مستوفى عند قوله تعالى ﴿وجعلنا بينهم موبقاً﴾ إن شاء الله تعالى ﴿ينهون﴾ أي يجددون النهي في كل حين إشارة إلى كثرة المفسدين ﴿عن الفساد﴾ الكائن ﴿في الأرض﴾ و " لولا " هنا كالتي في يونس توبيخية أو استفامية كما جوزهما الرماني، ويجوز أن تكون تخصيصية كما قال الزمخشري، ويكون للسامع لا للمهلك، لأن الآية لما تضمنت إهلاك المقر على الفساد كان في ذلك أقوى حث لغيرهم على الأمر والنهي وأوفى تهديد زاجر عن ارتكاب مثل حالهم الموقع في أضعاف نكالهم، وفي تعقيب هذه الآية لآية الصبر إشارة إلى أن الصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الذروة العليا، والآية ناظرة إلى قوله تعالى ﴿إنما أنت نذير ﴾.