وقال أبو حيان :
﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾
الترف : النعمة، صبي مترف منعم البدن، ومترف أبطرته النعمة وسعة العيش.
وقال الفراء : أترف عود الترفة وهي النعمة.
﴿ فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ﴾ : لولا هنا للتحضيض، صحبها معنى التفجع والتأسف الذي ينبغي أن يقع من البشر على هذه الأمم التي لم تهتد، وهذا نحو قوله :﴿ يا حسرة على العباد ﴾ والقرون : قوم نوح، وعاد، وثمود، ومن تقدم ذكره.
والبقية هنا يراد بها الخير والنظر والجزم في الدين، وسمي الفضل والجود بقية، لأنّ الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله، فصار مثلاً في الجودة والفضل.
ويقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم، وبه فسر بيت الحماسة : إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم.
ومنه قولهم : في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا.
وإنما قيل : بقية لأنّ الشرائع والدول ونحوها قوتها في أولها، ثم لا تزال تضعف، فمن ثبت في وقت الضعف فهو بقية الصدر الأول.
وبقية فعيلة اسم فاعل للمبالغة.
وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوي، كالتقية بمعنى التقوى أي : فلا كان منهم ذوو بقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله وعقابه.
وقرأت فرقة : بقية بتخفيف الياء اسم فاعل من بقي، نحو : شجيت فهي شجية.
وقرأ أبو جعفر، وشيبة : بُقْية بضم الباء وسكون القاف، وزن فعله.
وقرىء : بقية على وزن فعلة للمرة من بقاه يبقيه إذا رقبه وانتظره، والمعنى : فلولا كان منهم أولو مراقبة وخشية من انتقام الله، كأنهم ينتظرون إيقاعه بهم لإشفاقهم.
والفساد هنا الكفر وما اقترن به من المعاصي، وفي ذلك تنبيه لهذه الأمة وحض لها على تغيير المنكر.