فجعل ما في قوله : ما أترفوا، فيه مصدرية، ولهذا قدره : اتبعوا الإتراف، والظاهر أنها بمعنى الذي لعود الضمير في فيه عليها.
وأجاز أيضاً أنْ يكون معطوفاً على اتبعوا أي : اتبعوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك.
قال : ويجوز أن يكون اعتراضاً وحكماً عليهم بأنهم قوم مجرمون انتهى.
ولا يسمى هذا اعتراضاً في اصطلاح النحو، لأنه آخر آية، فليس بين شيئين يحتاج أحدهما إلى الآخر.
وقرأ جعفر بن محمد، والعلاء بن سيابة كذا في كتاب اللوامح، وأبو عمر في رواية الجعفي : واتبعوا ساكنة التاء مبنية للمفعول على حذف مضاف، لأنه مما يتعدى إلى مفعولين، أي جزاء ما أترفوا فيه.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى في القراءة المشهورة أنهم اتبعوا جزاء إترافهم، وهذا معنى قوي لتقدم الإنجاء كأنه قيل : إلا قليلاً ممن أنجينا منهم وهلك السائر.
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧) ﴾
تقدم تفسير شبيه هذه الآية في الأنعام، إلا أن هنا ليهلك وهي آكد في النفي، لأنه على مذهب الكوفيين زيدت اللام في خبر كان على سبيل التوكيد، وعلى مذهب البصريين توجه النفي إلى الخبر المحذوف المتعلق به اللام، وهنا وأهلها مصلحون.
قال الطبري : بشرك منهم وهم مصلحون أي : مصلحون في أعمالهم وسيرهم، وعدل بعضهم في بعض أي : أنه لا بد من معصيتة تقترن بكفرهم، قاله الطبري ناقلاً.
قال ابن عطية : وهذا ضعيف، وإنما ذهب قائله إلى نحو ما قال : إن الله يمهل الدول على الكفر ولا يمهلها على الظلم والجور، ولو عكس لكان ذلك متجهاً أي : ما كان الله ليعذب أمة بظلمهم في معاصيهم وهم مصلحون في الإيمان.
والذي رجح ابن عطية أن يكون التأويل بظلم منه تعالى عن ذلك.
وقال الزمخشري : وأهلها مصلحون تنزيهاً لذاته عن الظلم، وإيذاناً بأن إهلاك المصلحين من الظلم انتهى.
وهو مصادم للحديث :" أنهلك وفينا الصالحون قال : نعم، إذا كثر الخبث " وللآية :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة ﴾. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon