ولما كان من المقطوع به أن الآمر له ـ ﷺ ـ مَن له الأمر كله، بني للمفعول قوله :﴿كمآ أمرت﴾ أي كما استقام إخوانك من الأنبياء في جميع الأصول والفروع سواء كان في نفسك أو في تبليغ غيرك معتدلاً بين الإفراط والتفريط ولا يضيق صدرك من استهزائهم وتعنتهم واقتراحهم للآيات وإرادتهم أن تترك بعض ما يوحى إليك من التشنيع عليهم والعيب لدينهم بل صارحهم بالأمر واتركهم وأهواءهم، نحن ندبر الأمر كما نريد على حسب ما نعلم.
ولما كان الفاصل بين المعطوف والمعطوف عليه يقوم مقام تأكيد الضمير المستتر، عطف عليه قوله :﴿ومن﴾ أي وليستقم أيضاً من ﴿تاب﴾ عن الكفر مؤمناً ﴿معك﴾ على ما أمروا تاركين القلق من استبطائهم للنصرة كما روى البخاري وابو داود والنسائي عن خباب بن الأرت ـ رضى الله عنهم ـ قال :" شكونا إلى رسول الله ـ ﷺ ـ وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلنا : ألا تدعو الله لنا، فقعد وهو محمر وجهه فقال : كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين، وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون " ؛ وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : ما نزلت على النبي ـ ﷺ ـ آية أشد ولا أشق من هذه الآية.
والاستقامة : الاستمرار في جهة واحدة.


الصفحة التالية
Icon