وتولى عنهم وقال: يا أسفا على يوسف ! وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا: تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين !..
ومثلها عندما أرسل يوسف قميصه إلى أبيه في النهاية - بعدما كشف لهم عن شخصيته - فلما رأوا أباهم يستنشق عبير يوسف، غاظهم هذا الاتصال الباطني الدال على عمق ما بينه وبين يوسف، فلم يملكوا أنفسهم أن يبكتوه ويؤنبوه:
(ولما فصلت العير قال أبوهم: إني لأجد ريح يوسف، لولا أن تفندون ! قالوا: تالله إنك لفي ضلالك القديم !)..
وامرأة العزيز.. في صرع الشهوة التي تعمي عن كل شيء في اندفاعها الهائج الكاسح، فلا تحفل حياء أنثويا ولا كبرياء ذاتيا، كما لا تحفل مركزا اجتماعيا ولا فضيحة عائلية.. والتي تستخدم - مع ذلك - كل مكر الأنثى وكيدها، سواء في تبرئة نفسها أو حماية من تهوى من جرائر التهمة التي ألصقتها به، وتحديد عقوبة لا تودي بحياته ! أو رد الكيد للنسوة من ثغرة الضعف الغريزي الشهوي الذي تعرفه فيهن من معرفتها لنفسها ! أو التبجح بشهوانيتها أمام انكشاف ضعف عزيمتها وكبريائها أمام من تهوى، ووقوف نسوتها معها على أرض واحدة، حيث تبدو فيها الأنثى متجردة من كل تجمل المرأة وحيائها، الأنثى التي لا تحس فيإرواء هواتفها الأنثوية أمرا يعاب أصلا ! ومع صدق التصوير والتعبير عن هذا النموذج البشري الخاص بكل واقعيته، وعن هذه اللحظة الخاصة بكل طبيعيتها، فإن الأداء القرآني - الذي ينبغي أن يكون هو النموذج الأعلى للأداء الفني الإسلامي - لم يتخل عن طابعه النظيف مرة واحدة - حتى وهو يصور لحظة التعري النفسي والجسدي الكامل بكل اندفاعها وحيوانيتها - لينشيء ذلك المستنقع الكريه الذي يتمرغ في وحله كتاب "القصة الواقعية " وكتاب "القصة الطبيعية " في هذه الجاهلية النكدة بحجة الكمال الفني في الأداء !