(فلما رأى قميصه قد من دبر، قال: إنه من كيدكن، إن كيدكن عظيم. يوسف أعرض عن هذا، واستغفري لذنبك، إنك كنت من الخاطئين !)..
والنسوة.. نسوة هذا المجتمع بكل ملامحه.. اللغط بسيرة امرأة العزيز وفتاها الذي راودته عن نفسه، بعدما شغفها حبا ! والاستنكار الذي تبدو فيه غيرة النسوة من امرأة العزيز أكثر مما يبدو فيه استنكار الفعلة ! ثم وهلتهن أمام طلعة يوسف. قم إقرارهن الأنثوي العميق بموقف المرأة التي كن يلغطن بقصتها ويستنكرن موقفها ; وإحساس هذه المرأة بهذا الإقرار الذي يشجعها على الاعتراف الكامل، وهي آمنة في ظل استسلامهن لأنوثتهن كما تصنعها بيئتهن الخاصة وتوجهها. ثم ميلهن كلهن على يوسف بالإغراء والإغواء، رغم ما أنطقتهن به الوهلة الأولى من نظافته وطهارته البادية من قولهن: (حاش لله ! ما هذا بشرا، إن هذا إلا ملك كريم).. نأخذ ذلك من قولة يوسف عليه السلام:
(قال: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)..
فلم تعد امرأة العزيز وحدها تراوده ; ولكن عادت نسوة تلك الطبقة بجملتها تطارده !
والبيئة.. التي تتجلى سماتها من خلال ذلك كله. ثم من خلال ذلك التصرف في أمر يوسف، على الرغم مما بدا من براءته. ذلك التصرف المقصود به مواراة الفضيحة ودفن معالمها ; ولا يهم أن يذهب بريء كيوسف ضحيتها:
(ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)..
فإذا تابعنا شخصية يوسف - عليه السلام - فإننا لا نفتقد في موقف واحد من مواقف القصة ملامح هذه الشخصية، المنبثقة من مقوماتها الذاتية البيئية الواقعية، المتمثلة في كونه "العبد الصالح - الإنسان - بكل بشريته، مع نشأته في بيت النبوة وتربيته ودينه"..