ثم تطالعنا ملامح هذه الشخصية كذلك بعد بضع سنين، وقد رأى الملك رؤياه، فحار في تأويلها الكهنة والسدنة ; حتى تذكر صاحب السجن يوسف - بعدما تمت التربية الربانية للعبد الصالح، فاطمأن إلى قدر الله به واطمأن إلى مصيره - حتى إذا ما طلب الملك - بعد تأويله لرؤياه - أن يأتوه به، أجاب في هدوء المطمئن الواثق ; وتمنع عن مغادرة سجنه إلا بعد تحقيق تهمته وتبرئة سمعته:
وقال الملك: إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات. يا أيها الملأ أفتوني في رؤيايي، إن كنتم للرؤيا تعبرون. قالوا: أضغاث أحلام، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة: أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون. يوسف أيها الصديق، أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون. قال: تزرعون سبع سنين دأبا، فما حصدتم فذروه في سنبله، إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن. إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون.. وقال الملك: ائتوني به.. فلما جاءه الرسول قال: ارجع إلى ربك فاسأله: ما بال النسوة اللآتي قطعن أيديهن ؟ إن ربي بكيدهن عليم. قال: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ؟ قلن: حاش لله ! ما علمنا عليه من سوء. قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه، وإنه لمن الصادقين. ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب، وأن الله لا يهدي كيد الخائنيين. وما أبريء نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء، إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم.. وقال الملك: ائتوني به أستخلصه لنفسي، فلما كلمه قال: إنك اليوم لدينا مكين أمين. قال: اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم..