الرابعة : إن قيل : إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءاً من النبوّة فكيف يكون الكافر والكاذب والمخلِّط أهلاً لها؟ وقد وقعت من بعض الكفار وغيرهم ممن لا يرضى دينه منامات صحيحة صادقة ؛ كمنام رؤيا الملِك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفتيين في السجن، ورؤيا بُخْتُنَصَّر، التي فسّرها دانيال في ذهاب ملكه، ورؤيا كسرى في ظهور النبي ﷺ، ومنام عاتكة، عمة رسول الله ﷺ في أمره وهي كافرة، وقد ترجم البخاري "باب رؤيا أهل السجن" فالجواب أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون من الوحي ولا من النبوّة ؛ إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوّة ؛ وقد تقدّم في "الأنعام" أن الكاهن وغيره قد يخبر بكلمة الحق فيصدق، لكن ذلك على الندور والقلة، فكذلك رؤيا هؤلاء ؛ قال المهلَّب : إنما ترجم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهل الشرك رؤيا صادقة، كما كانت رؤيا الفتيين صادقة، إلا أنه لا يجوز أن تضاف إلى النبوّة إضافة رؤيا المؤمن إليها، إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءاً من النبوّة.
الخامسة : الرؤيا المضافة إلى الله تعالى هي التي خلصت من الأضغاث والأوهام، وكان تأويلها موافقاً لما في اللوح المحفوظ، والتي هي من خبر الأضغاث هي الحُلْم، وهي المضافة إلى الشيطان، وإنما سميت ضِغثاً ؛ لأن فيها أشياء متضادة ؛ قال معناه المهلَّب.
وقد قسم رسول الله ﷺ الرؤيا أقساماً تغني عن قول كل قائل ؛ روى عوف ابن مالك عن رسول الله ﷺ قال :" الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليُحزِن ابن آدم ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة " قال قلت : سمعت هذا من رسول الله ﷺ ؟ قال : نعما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.