ولما كانوا مع معرفتهم به ـ ﷺ ـ عارفين بأنه كان مباعداً للعلم والعلماء، وكان فعلهم في التكذيب فعل من ينكر ذلك، قال :﴿وإن﴾ أي وإن الشأن والحديث ﴿كنت﴾ ولما كان كونه لم يستغرق الزمان الماضي، أثبت الجار فقال :﴿من قبله﴾ أي هذا الكتاب أو إيحائنا إليك به ﴿لمن الغافلين﴾ أي عن هذه القصة وغيرها، مؤكداً له بأنواع التأكيد، وهو ناظر إلى قوله آخرها ﴿وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون﴾ بعد التفاته عن كثب إلى آخر التي قبلها ﴿وما ربك بغافل عما تعملون﴾ والحسن : معنى يتقبله العقل ويطرق إلى طلب المتصف به أنواع الحيل، ومادة، غفل، بكل ترتيب تدور على الستر والحجب، من الغلاف الذي يوضع فيه الشيء فلا ينظر منه شيئاً ولا ينظره شيء ما دام فيه، ومنه الغفلة - للجلدة التي التي على الكمرة، والغفل - بالضم : ما لا علاقة له من الأرض، ودابة غفل، لا سمة لها، لأن عدم العلامة مؤدٍ إلى الجهل بها فكأنها في غلاف لا ينظر منه، ومنه رجل غفل : لا حسب عنده، لأن ذلك أقرب إلى جهله، والتغفل : الختل، أي أخذ الشيء من غير أن يشعر، فقد ظهر أن مقصود السورة وصف الكتاب بعد الحكمة والتفصيل بالإبانة عن جميع المقاصد المنزل لها ؛ وقال الإمام ابو جعفر بن الزبير : هذه السورة من جملة ما قص عليه ـ ﷺ ـ من أنباء الرسل وأخبار من تقدمه مما فيه التثبيت الممنوح في قوله سبحانه وتعالى ﴿وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك﴾ [ هود : ١٢٠ ] ومما وقعت الإحالة عليه في سورة الأنعام - كما تقدم - وإنما أفردت على حدتها ولم تنسق على قصص الرسل مع أنهم في سورة واحدة لمفارقة مضمونها تلك القصص، ألا ترى أن تلك قصص إرسال من تقدم ذكرهم عليهم الصلاة والسلام وكيفية تلقي قومهم لهم وإهلاك مكذبيهم، أما هذه القصة فحاصلها فرج بعد شدة وتعريف بحسن عاقبة الصبر، فإنه تعالى امتحن يعقوب عليه الصلاة والسلام