﴿ أَحْسَنَ القصص ﴾ بمعنى المصدر، والتقدير : قصصنا أحسن القَصَص.
وأصل القَصَص تتبع الشيء، ومنه قوله تعالى :﴿ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ أي تتبعي أثره ؛ فالقاصّ يتبع الآثار فيخبر بها.
والحسن يعود إلى القَصَص لا إلى القصّة.
يقال : فلان حسن الاقتصاص للحديث أي جيّد السّياقة له.
وقيل : القَصَص ليس مصدراً، بل هو في معنى الاسم، كما يقال : الله رجاؤنا، أي مرجوّنا فالمعنى على هذا : نحن نخبرك بأحسن الأخبار.
﴿ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ أي بوحينا ف"ما" مع الفعل بمنزلة المصدر.
﴿ هذا القرآن ﴾ نصب القرآن على أنه نعت لهذا، أو بدل منه، أو عطف بيان.
وأجاز الفراء الخفض ؛ قال : على التكرير ؛ وهو عند البصريين على البدل من "ما".
وأجاز أبو إسحاق الرفع على إضمار مبتدأ ؛ كأن سائلاً سأله عن الوحي فقيل له : هو ( هذا ) القرآن.
﴿ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين ﴾ أي من الغافلين عما عرّفناكه.
مسألة : واختلف العلماء لِمَ سُمِيت هذه السورة أحسن القَصَص من بين سائر الأقاصيص؟ فقيل : لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العِبر والحِكم ما تتضمن هذه القصّة ؛ وبيانه قوله في آخرها :﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب ﴾ [ يوسف : ١١١ ].
وقيل : سماها أحسن القَصص لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته، وصبره على أذاهم، وعفوه عنهم بعد الالتقاء بهم عن ذكر ما تعاطوه، وكرمه في العفو عنهم، حتى قال :﴿ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم ﴾ [ يوسف : ٩٢ ].
وقيل : لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين، والجنّ والإنس والأنعام والطّير، وسير الملوك والممالك، والتّجار والعلماء والجهّال، والرجال والنّساء وحِيلهنّ ومكرهنّ، وفيها ذكر التّوحيد والفقه والسِّيرَ وتعبير الرؤيا، والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش، وجمل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا.


الصفحة التالية
Icon