والسيّارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر ؛ وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود ؛ فإن من التقطه من السيّارة يحمله إلى موضع بعيد ؛ وكان هذا وجهاً في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم، فربما لا يأذن لهم أبوهم، وربما يطلع على قصدهم.
الثالثة : وفي هذا ما يدلّ على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أوّلاً ولا آخراً ؛ لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم، بل كانوا مسلمين، فارتكبوا معصية ثم تابوا.
وقيل : كانوا أنبياء، ولا يستحيل في العقل زِلّة نبيّ، فكانت هذه زلّة منهم ؛ وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدّمناه.
وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبّأهم الله ؛ وهذا أشبه، والله أعلم.
الرابعة : قال ابن وهب قال مالك : طُرح يوسف في الجبّ وهو غلام، وكذلك روى ابن القاسم عنه، يعني أنه كان صغيراً ؛ والدليل عليه قوله تعالى :﴿ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة ﴾ قال : ولا يُلتقَط إلا الصغير ؛ وقوله :﴿ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب ﴾ وذلك ( أمر ) يختص بالصغار ؛ وقولهم :﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾.
الخامسة : الالتقاط تناول الشيء من الطريق ؛ ومنه اللّقِيط واللُّقْطَة، ونحن نذكر من أحكامها ما دلّت عليه الآية والسُّنة، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة ؛ قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة ﴾ أي يجده من غير أن يحتسبه.


الصفحة التالية
Icon