وأجاب الأشاعرة عن ذلك كله بأن قصارى ما يلزم منه أن المركب من الحروف والكلمات محدث وذلك مما لا نزاع لنا فيه، والذي ندعي قدمه شيء آخر نسميه الكلام النفسب وهو مما لا يتصف بالإنزال ولا بكونه عربياً ولا غيره ولا بكونه مركباً من الحروف ولا غيرها، وقد تقدم لك في المقدمات ما ينفعك هنا فلا تغفل.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي لكي تفهموا معانيه وتحيطوا بما فيه من البدائع أو تستعملوا فيه عقولكم فتعلموا أنه خارج عن طوق البشر مشتمل على ما يشهد له أنه منزل من عند خلاق القوى والقدر، وهذا بيان لحكمة إنزاله بتلك الصفة، وصرح غير واحد أن لعل مستعملة بمعنى لام التعليل على طريق الاستعارة التبعية، ومرادة من ذلك ظاهر، وجعلها للرجاء من جانب المخاطبين وإن كان جائزاً لا يناسب المقام.
وزعم الجبائي أن المعنى أنزله لتعقلوا معانيه في أمر الدين فتعرفوا الأدلة الدالة على توحيده وما كلفكم به، وفيه دليل على أنه تعالى أراد من الكل الإيمان والعمل الصالح من حصل منه ذلك ومن لم يحصل، وفيه أنه بمعزل عن الاستدلال به على ما ذكر كما لا يخفى.
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾
أي نخبرك ونحدثك من قص أثره إذا اتبعه كأن المحدث يتبع ما حدث به وذكره شيئاً فشيئاً ومثل ذلك تلى ﴿ أَحْسَنَ القصص ﴾ أي أحسن الاقتصاص فنصبه على المصدرية إما لاضافته إلى المصدر.
أو لكونه في الأصل صفة مصدر أي قصصا أحسن القصص، وفيه مع بيان الواقع إيهام لما في اقتصاص أهل الكتاب من القبح والخلل، والمفعول به محذوف أي مضمون هذا القرآن، والمراد به هذه السورة، وكذا في قوله عز وجل :﴿ بِمَا أَوْحَيْنَا ﴾ أي بسبب إيحائنا.
﴿ إِلَيْكَ هذا القرءان ﴾ والتعرض لعنوان قرآنيتها لتحقيق أن الاقتصاص ليس بطريق الإلهام أو الوحي غير المتلو، ولعل كلمة ﴿ هذا ﴾ للإيماء إلى تعظيم المشار إليه.