وقال ابن عاشور :
﴿ الر ﴾.
تقدم الكلام على نظاير ﴿ الر ﴾ ونحوها في أوّل سورة البقرة.
الكلام على ﴿ تلك آيات الكتاب ﴾ مضى في سورة يونس.
ووُصف الكتاب هنا بـ ﴿ المبين ﴾ ووصف به في طالعة سورة يونس بـ ﴿ الحكيم ﴾ لأنّ ذكر وصف إبانته هنا أنسب، إذ كانت القصّة التي تضمّنتها هذه السّورة مفصّلة مبيّنة لأهمّ مَا جرى في مدة يوسف عليه السّلام بمصر.
فقصّة يوسف عليه السّلام لم تكن معروفة للعرب قبل نزول القرآن إجمالاً ولا تفصيلاً، بخلاف قصص الأنبياء : هود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب عليهم السّلام أجمعين، إذ كانت معروفة لديهم إجمالاً، فلذلك كان القرآن مبيّناً إيّاها ومفصّلاً.
ونزولها قبل اختلاط النبي ﷺ باليهود في المدينة معجزة عظيمة من إعلام الله تعالى إيّاه بعلوم الأوّلين، وبذلك ساوى الصحابةُ علماءَ بني إسرائيل في علم تاريخ الأديان والأنبياء وذلك من أهم ما يعلمه المشرعون.
فالمبين : اسم فاعل من أبان المتعدي.
والمراد : الإبانة التامّة باللفظ والمعنى.
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) ﴾
استئناف يفيد تعليل الإبانة من جهتي لفظه ومعناه، فإنّ كونه قرآناً يدل على إبانة المعاني، لأنّه ما جعل مقروءاً إلاّ لما في تراكيبه من المعاني المفيدة للقارىء.
وكونه عربياً يفيد إبانة ألفاظه المعانيَ المقصودة للّذين خوطبوا به ابتداء، وهم العرب، إذ لم يكونوا يتبيّنون شيئاً من الأمم التي حولهم لأنّ كتبهم كانت باللغات غير العربية.
والتّأكيد بـ ( إنّ ) متوجّه إلى خبرها وهو فعل ﴿ أنزلناه ﴾ ردّاً على الذين أنكروا أن يكون منزلاً من عند الله.
وضمير ﴿ أنزلناه ﴾ عائد إلى ﴿ الكتاب ﴾ في قوله :{ الكتاب المبين [ سورة يوسف : ١ ].