وحدد سبحانه أنه هو الذي يقصُّ، وإذا وُجِد فعل لله ؛ فنحن نأخذ الفعل بذاته وخصوصه ؛ ولا نحاول أن نشتق منه اسماً نطلقه على الله ؛ إلا إذا كان الفعل له صفة من صفاته التي عَلِمْناها في أسمائه الحسنى ؛ لأنه الذات الأقدس.
وفي كل ما يتعلق به ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً إنما نلتزم الأدب ؛ لأننا لا نعرف شيئا عن ذات الله إلا ما أخبرنا الله عن نفسه، لذلك لا يصح أن نقول عن الله أنه قصَّاص، بل نأخذ الفعل كما أخبرنا به، ولا نشتق منه اسماً لله ؛ لأنه لم يصف نفسه في أسمائه الحسنى بذلك.
والواجب أن ما أطلقه سبحانه اسماً نأخذه اسماً، وما أطلقه فعلاً نأخذه فعلاً.
وهنا يقول سبحانه :
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص.... ﴾ [ يوسف : ٣ ].
ونعلم أن كلمة " قص " تعني الإتباع، وقال بعض العلماء : إن القصة تُسمَّى كذلك لأن كل كلمة تتبع كلمة، ومأخوذة من قَصَّ الأثر، وهو تتبع أثر السائر على الأرض، حتى يعرف الإنسان مصير مَنْ يتتبعه ولا ينحرف بعيداً عن الاتجاه الذي سار فيه مَنْ يبحث عنه.
واقرأ قول الحق سبحانه :﴿ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [ القصص : ١١ ].
و﴿ قُصِّيهِ... ﴾ [ القصص : ١١ ] أي : تتبعي أثره.
إذن : فالقَصُّ ليس هو الكلمة التي تتبع كلمة، إنما القَصُّ هو تتبُّع ما حدث بالفعل.
ويعطينا الحق سبحانه مثلاً من قصة موسى عليه السلام مع فتاه :﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصخرة فَإِنِّي نَسِيتُ الحوت وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ واتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر عَجَباً * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصاً ﴾ [ الكهف : ٦٣٦٤ ]، أي : تَابَعا الخطوات.