مثال ذلك : تصديق خديجة رضي الله عنها وأرضاها له ؛ حين أبلغها بنزول الوحي، فقالت له :" والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتَصِلُ الرَّحِم، وتحمل الكَلَّ، وتُكسِب المَعْدُوم، وتَقْري الضَّيف، وتعين على نوائب الحق ".
وكان في صدق بصيرتها، وعميق حساسية فطرتها أسبابٌ تؤيد تصديقها له ﷺ في نبوته.
وحين وقعت بعض الأمور التي لا تتفق مع منطق المقدمات والنتائج، والأسباب والمسببات ؛ كانت بعض العقول المعاصرة لرسول الله تقف متسائلة : كيف؟ فيوضح لهم أبو بكر :" انتبهوا إنه رسول الله ".
مثال هذا : ما حدث في صلح الحديبية، حين يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه متسائلاً ويكاد أن يكون رافضاً لشروط هذا الصلح : ألسْنا على الحق؟ عَلام نعطي الدَّنية في ديننا؟
ويرد عليه أبو بكر رضي الله عنه : استمسك بِغَرْزِه يا عمر، إنه رسول الله.
أي : انتبه واعلم أنك تتكلم مع رسول الله ﷺ، وليس في ذلك انصياعٌ أعمى ؛ بل هي طاعة عن بصيرة مؤمنة.
والحق سبحانه يقول هنا :
﴿ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين ﴾ [ يوسف : ٣ ].
والغافل : هو الذي لا يعلم لا عن جهل، أو قصور عقل ولكن لأن ما غفل عنه هو أمر لا يشغل باله.
أو : أن يكون المقصود بقوله :
﴿ لَمِنَ الغافلين ﴾ [ يوسف : ٣ ].
أي : أنك يا محمد لم تكن ممَّنْ يعرفون قصة يوسف ؛ لأنك لم تتعلم القراءة فتقرأها من كتاب، ولم تجلس إلى مُعلِّم يروي لك تلك القصة، ولم تجمع بعضاً من أطراف القصة من هنا أو هناك.
بل أنت لم تَتَلقَّ الوحي بها إلا بعد أن قال بعض من أهل الكتاب لبعض من أهل مكة : اسألوه عن أبناء يعقوب وأخوة يوسف ؛ لماذا خرجوا من الشام وذهبوا إلى مصر؟