والإشارة من ﴿ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ ها هنا إلى حُكْمِه السابق له بأَنْ يُرَقِّيَه إلى الرتبة التي لا يبلغها غيرُه، وقد قال تعالى :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ﴾ [ القصص : ٤٦ ] أي حين كلَّمنا موسى عليه السلام، وأخبرناه بعلوِّ قَدْرِك، ولم تكن حاضراً، وأخبرناه بأننا نُبَلِّغُك هذا المقامَ الذي أنت فيه الآن. وكذلك كلُّ مَنْ أوحينا إليه ذَكَرْنَا له قِصَتَكَ، وشَرَحْنَا له خِلقَتك، فالآنَ وقتُ تحقيق ما أخبرنا به، وفي معناه أنشدوا :
سُقْياً لمعهدِكَ الذي لو لم يكن... ما كان قلبي للصبابة معهدا
قال الله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الْزَّبُورِ مِن بَعْدِ الْذِّكْرِ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ] يعني بعد التوراة ﴿ أَنَّ اَلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبادِىَ الْصَّالِحُونَ ﴾ يعني أمة محمد.
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) ﴾
في إنزال الكتاب عليه، وإرسالِ الرسول إليه - تحقيقٌ لأحكام المحبة، وتأكيدٌ لأسباب الوصلة ؛ فإنَّ مَنْ عَدِمَ حقيقة الوصول استأنس بالرسول، وَمنْ بَقِيَ عن شهود الأحباب تَسَلّى بوجود الكتاب، قال قائلهم :
وكتُبكَ حَوْلي لا تُفارقُ مضجعي... ففيها شفاءٌ للذي أنا كاتِمُ
قوله جلّ ذكره :﴿ نَحْنُ نَقُّصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ ﴾.
﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ : لخلوِّه عن الأمر والنهي الذي سماعه يوجب اشتغال القلب بما هو يعرِّض لوقوع التقصير.
﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ : ففيه ذكر الأحباب.
﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ : لأن فيه عفوَ يوسف عن جناياتِ إخوته.
﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ : لما فيه من ذِكْرِ تَرْكِ يوسف لامرأة العزيز وإعراضه عنها عندما راودته عن نفسه.
﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ : بالإضافة إلى ما سألوه أن يقص عليهم من أحوال الناس.
﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ : لأنه غير مخلوق.