ولما كان للنيرين اسمان يخصانهما هما في غاية الشهرة، قال معظماً لهما :﴿والشمس والقمر﴾ ولما تشوفت النفس إلى الحال التي رآهم عليها، فكان كأنه قيل : على أيّ حال؟ وكانت الرؤيا باطن البصر الذي هو باطن النظر، فكان التعبير بها للإشارة إلى غرابة هذا الأمر، زاد في الإشارة إلى ذلك بإعادة الفعل، وألحقه ضمير العقلاء لتكون دلالته على كل من عجيب أمر الرؤيا ومن فعل المرتى الذي لا يعقل فعل العقلاء من وجهين فقيل :﴿رأيتهم لي﴾ أي خاصة ﴿ساجدين﴾ أجراهم مجرى العقلاء لفعل العقلاء.
فكأنه قيل : ماذا قال له أبوه؟ فقيل :﴿قال﴾ عالماً بأن إخوته سيحسدونه على ما تدل عليه هذه الرؤيا إن سمعوها ﴿يابني﴾ فبين شفقته عليه، وأكد النهي بإظهار الإدغام فقال :﴿لا تقصص رؤياك﴾ أي هذه ﴿على إخوتك﴾ ثم سبب عن النهي قوله :﴿فيكيدوا﴾ أي فيوقعوا ﴿لك كيداً﴾ أي يخصك، فاللام للاختصاص.
وفي الآية دليل على أنه لا نهي عن الغيبة للنصيحة، بل هي مما يندب إليه ؛ قال الرماني : والرؤيا : تصور المعنى في المنام على توهم الإبصار، وذلك أن العقل مغمور بالنوم، فإذا تصور الإنسان المعنى توهم أنه يراه ؛ وقال الإمام الرازي في اللوامع : هي ركود الحواس الظاهرة عن الإدراك والإحساس، وحركة المشاعر الباطنة إلى المدارك، فإن للنفس الإنسانية حواسَّ ظاهرة ومشاعر باطنة، فإذا سكنت الحواس الظاهرة استعملت الحواس الباطنة في إدراك الأمور الغائبة، فربما تدركها على الصورة التي هي عليها، فلا يحتاج إلى تعبير، وربما تراها في صورة محاكية مناسبة لها فيحتاج إلى التعبير، مثال الأول رؤيا النبي ـ ﷺ ـ أنه دخل المسجد الحرام، والثاني كرؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام هذه.
وقال الرماني : والرؤيا الصادقة لها تأويل، والرؤيا الكاذبة لا تأويل لها - انتهى.
وهذا لمن ينام قلبه وهم من عدا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.