قالوا : إنه عليه السلام كان في علم التعبير غاية، والثاني : تأويل الأحاديث في كتب الله تعالى والأخبار المروية عن الأنبياء المتقدمين، كما أن الواحد من علماء زماننا يشتغل بتفسير القرآن وتأويله، وتأويل الأحاديث المروية عن الرسول ﷺ، والثالث : الأحاديث جمع حديث، والحديث هو الحادث، وتأويلها مآلها، ومآل الحوادث إلى قدرة الله تعالى وتكوينه وحكمته، والمراد من تأويل الأحاديث كيفية الاستدلال بأصناف المخلوقات الروحانية والجسمانية على قدرة الله تعالى وحكمته وجلالته، وثالثها : قوله :﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعلى ءالِ يَعْقُوبَ ﴾.
واعلم أن من فسر الاجتباء بالنبوة لا يمكنه أن يفسر إتمام النعمة ههنا بالنبوة أيضاً وإلا لزم التكرار، بل يفسر إتمام النعمة ههنا بسعادات الدنيا وسعادات الآخرة.
أما سعادات الدنيا فالإكثار من الأولاد والخدم والأتباع والتوسع في المال والجاه والحشم وإجلاله في قلوب الخلق وحسن الثناء والحمد.
وأما سعادات الآخرة : فالعلوم الكثيرة والأخلاق الفاضلة والاستغراق في معرفة الله تعالى.
وأما من فسر الاجتباء بنيل الدرجات العالية، فههنا يفسر إتمام النعمة بالنبوة ويتأكيد هذا بأمور : الأول : أن إتمام النعمة عبارة عما به تصير النعمة تامة كاملة خالية عن جهات النقصان.
وما ذاك في حق البشر إلا بالنبوة، فإن جميع مناصب الخلق دون منصب الرسالة ناقص بالنسبة إلى كمال النبوة، فالكمال المطلق والتمام المطلق في حق البشر ليس إلا النبوة، والثاني : قوله :﴿كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إبراهيم وإسحاق﴾ ومعلوم أن النعمة التامة التي بها حصل امتياز إبراهيم وإسحق عن سائر البشر ليس إلا النبوة، فوجب أن يكون المراد بإتمام النعمة هو النبوة.