فإن قيل : هذه البشارات التي ذكرها يعقوب عليه السلام هل كان قاطعاً بصحتها أم لا ؟ فإن كان قاطعاً بصحتها، فكيف حزن على يوسف عليه السلام، وكيف جاز أن يشتبه عليه أن الذئب أكله، وكيف خاف عليه من إخوته أن يهلكوه، وكيف قال لإخوته وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، مع علمه بأن الله سبحانه سيجتبيه ويجعله رسولاً، فأما إذا قلنا إنه عليه السلام ما كان عالماً بصحة هذه الأحوال، فكيف قطع بها ؟ وكيف حكم بوقوعها حكماً جازماً من غير تردد ؟.
قلنا : لا يبعد أن يكون قوله :﴿وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ مشروطاً بأن لا يكيدوه، لأن ذكر ذلك قد تقدم، وأيضاً فبتقدير أن يقال : إنه عليه السلام كان قاطعاً بأن يوسف عليه السلام سيصل إلى هذه المناصب إلا أنه لا يمتنع أن يقع في المضايق الشديدة ثم يتخلص منها ويصل إلى تلك المناصب فكان خوفه لهذا السبب ويكون معنى قوله :﴿وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب﴾ [ يوسف : ١٣ ] الزجر عن التهاون في حفظه وإن كان يعلم أن الذئب لا يصل إليه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٨ صـ ٦٩ ـ ٧٣﴾