وقال أبو السعود :
﴿ وَجَاءوا أَبَاهُمْ عِشَاءً ﴾
آخر النهار وقرىء عُشِيّا وهو تصغير عشى وعُشىً بالضم والقصر جمع أعشى أي عَشْواً من البكاء ﴿ يَبْكُونَ ﴾ متباكين. روي أنه لما سمع يعقوبُ عليه السلام بكاءهم فزع وقال : ما لكم يا بَنيّ وأين يوسف؟ ﴿ قَالُواْ يأَبَانَا إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾ أي متسابقين في العدْو والرمي وقد يشترك الافتعال والتفاعل كالانتضال والتناضل ونظائرهما ﴿ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ متاعنا ﴾ أي ما نتمتع به من الثياب والأزواد وغيرِهما ﴿ فَأَكَلَهُ الذئب ﴾ عَقيبَ ذلك من غير مُضيِّ زمانٍ يعتاد فيه التفقدُ والتعهدُ. وحيث لا يكاد يُطرح المتاعُ عادة إلا في مقام يُؤْمن فيه الغوائلُ لم يعُدْ تركُه عليه السلام عنده من باب الغفلة وتركِ الحظ الملتزَم لا سيما إذا لم يبرحوه ولم يغيبوا عنه، فكأنهم قالوا : إنا لم نقصِّر في محافظته ولم نغفُلْ عن مراقبته بل تركناه في مأمننا ومجمعنا بمرأىً منا لأن ميدانَ السباق لا يكون عادة إلا بحيث يتراءى غايتاه وما فارقناه إلا ساعةً يسيرةً بيننا وبينه مسافةٌ قصيرة فكان ما كان ﴿ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ﴾ بمصدّق لنا في هذه المقالة الدالةِ على عدم تقصيرِنا في أمره ﴿ وَلَوْ كُنَّا ﴾ عندك وفي اعتقادك ﴿ صادقين ﴾ موصوفين بالصدق والثقةِ لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سيّءُ الظن بنا غيرُ واثقٍ بقولنا، وكلمة لو في أمثال هذه المواقعِ لبيان تحقق ما يفيده الكلامُ السابق من الحكم الموجَبِ أو المنفيِّ على كل حال مفروض من الأحوال المقارنةِ له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدِّها منافاةً له ليظهر بثبوته أو انتفائِه معه ثبوتُه أو انتفاؤه مع غيره من الأحوال بطريق الأولوية، لِما أن الشيءَ متى تحقق مع المنافي القويِّ فلأَنْ يتحققَ مع غيره أولى، ولذلك لا يُذكر معه شيٌ من سائر الأحوال ويكتفى عنه بذكر الواوِ العاطفةِ للجملة على نظيرتها المقابلةِ لها الشاملةِ لجميع الأحوال المغايرة لها عند