ومن تبعه : إنه في موضع النصب على الظرفية أي جاءوا فوق قميصه كما تقول : جاء على جماله بأحمال، وأراد على ما في الكشف أن ﴿ على ﴾ على حقيقة الاستعلاء وهو ظرف لغو، ومنع في البحر كون العامل فيه المجيء لأنه يقتضي أن الفوقية ظرف للجائين، وأجيب بأن الظرفية ليست باعتبار الفاعل بل باعتبار المفعول.
وفي بعض الحواشي أن الأولى أن يقال : جاءوا مستولين على قميصه، وقوله سبحانه :﴿ بِدَمٍ ﴾ حال من القميص، وجعل المعنى استولوا على القميص ملتبساً بدم جائين، وهو على ما قيل : أولى من جاءوا مستولين لما تقرر في التضمين، والأمر في ذلك سهل فإن جعل المضمن أصلاً والمذكور حالا وبالعكس كل منهما جائز وإذا اقتضى المقام أحدهما رجح، واستظهر كونه ظرفاً للمجيء المتعدي، والمعنى أتوا بدم كذب فوق قميصه ولا يخفي استقامته، هذا ثم إن ذلك الدم كان دم سخلة ذبحوها ولطخوا بدمها القميص كما روي عن ابن عباس.
ومجاهد.
وأخرج ابن أبي حاتم.
وأبو الشيخ عن قتادة أنهم أخذوا ظبياً فذبحوه فلظخوا بدمه القميص، ولما جاءوا به جعل يقلبه فيقول : ما أرى به أثر ناب ولا ظفر إن هذا السبع رحيم، وفي رواية أنه أخذ القميص وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص، وقال : تالله ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا أكل ابني ولم يمرق عليه قميصه، وجاء أنه بكى وصاح وخر مغشياً عليه فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ومادوه فلم يجب ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفس ولا تحرك له عرق، فقال : ويل لنا من ديان يوم الدين ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا فلم يفق إلا ببرد السحر ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ ﴾ أي زينت وسهلت ﴿ أمْراً ﴾ من الأمور منكراً لا يوصف ولا يعرف، وأصل التسويل تقدير شيء في النفس مع الطمع في إتمامه.
وقال الراغب : هو تزيين النفس لما تحرص عليه وتصوير القبيح بصورة الحسن.


الصفحة التالية
Icon