لاسيما في الضرر العائد إلى الغير فكان اللائق بيعقوب عليه السلام التفتيش والسعى في تخليص يوسف عليه السلام من البلية والشدة إن كان حياً، وفي إقامة القصاص إن صح أنهم قتلوه بل قد يقال : إن الواجب المتعين عليه السعي في طلبه وتخليصه لأن الظاهر أنه كان عالماً بأنه حي سليم لقوله :
﴿ وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الاحاديث ﴾ [ يوسف : ٦ ] فإن الظاهر أنه إنما قاله عن وحي، وأيضاً إنه عليه السلام كان عظيم القدر جليل الشأن معظماً في النفوس مشهوراً في الآفاق فلو بالغ في الطلب والتفحص لظهر ذلك واشتهر ولزال وجه التلبيس فما السبب في تركه عليه السلام الفحص مع نهاية رغبته في حضور يوسف وغاية محبته له، وهل الصبر في هذا المقام إلا مذموم عقلاً وشرعاً؟ ثم قال : والجواب أن نقول : لا جواب عن ذلك إلا أن يقال : إنه سبحانه وتعالى منعه عن الطلب تشديداً للمحنة وتغليظاً للأمر، وأيضاً لعله عرف بقرائن الأحوال أن أولاده أقوياء وأنهم لا يمكنونه من الطلب والتفحص وأنه لو بالغ في البحث ربما أقدموا على إيذائه وقتله، وأيضاً لعله عليه السلام علم أن الله تعالى يصون يوسف عن البلاء والمحنة وأن أمره سيعظم بالآخرة ثم لم يرد هتك ستر أولاده وما رضي بإلقائهم في ألسنة الناس، وذلك لأن أحد الولدين إذا طلم الآخر وقع الأب في العذاب الشديد لأنه إن لم ينتقم يحترق قلبه على الولد المظلوم وإن أنتقم يحترق على الولد الذي ينتقم منه، ونظير ذلك ما أشار إليه الشاعر بقوله :
قومي هم قتلوا أميم أخي...
فإذا رميت يصيبني سهمي
ولئن عفوت لأعفون جللا...
ولئن سطوت لموهن عظمي
فلما وقع يعقوب عليه السلام في هذه البلية رأى أن الأصوب الصبر والسكوت وتفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى لا سيما إن قلنا : إنه عليه السلام كان عالماً بأن ما وقع لا يمكن تلافيه حتى يبلغ الكتاب أجله. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ١٢ صـ ﴾