وقال القاسمى :
﴿ وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ ﴾
بيان لمكرهم بأبيهم بطريق الاعتذار الموهم موته القاطع عنه متمناه، لتنقطع محبته عنه، ولو بعد حين، فيرجع إليهم بالحب الكلي. وقدموا عشاء لكونه وقت الظلمة المانعة من احتشامه في الاعتذار الكذب، ومن تفرسه من وجوههم الكذب، وأوهموا ببكائهم وتفجعهم عليه إفراط محبتهم له المانعة من الجرأة عليه. ثم نادوه باسم ( الأب ) المضاف إليهم ليرحمهم، فيترك غضبه عليهم، الداعي إلى تكذيبهم.
﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾ أي : في العدو والرمي بالنصل :﴿ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا ﴾ أي : ما يتمتع به من الثياب والأزواد وغيرهما ليحفظه :﴿ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ﴾ أي : كما حذرتَ.
وقوله تعالى :﴿ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ تلطف عظيم في تقرير ما يحاولونه. يقولون : ونحن نعلم أنك لا تصدقنا في هذه الحالة، ولو كنا عندك صادقين، فكيف وأنت تتهمنا، وغير واثق بقولنا ؟ !.
وقد استفيد من الآية أحكام :
منها : أن بكاء المرء لا يدل على صدقه ؛ لاحتمال أن يكون تصنعاً - نقله ابن العربي -.
ومنها : مشروعية المسابقة، وفيه من الطب رياضة النفس والدواب، وتمرين الأعضاء على التصرف - كذا في " الإكليل " -.
قال بعض اليمانين : اللعب إن كان بين الصغار جائز بما لا مفسدة فيه، ولا تشبه بالفسقة، وأما بين الكبار، ففيه ثلاثة أقسام :
الأول : أن يكون في معنى القمار، فلا يجوز.
الثاني : أن لا يكون في معناه، وفيه استعانة وحث على القوة والجهاد، كالمناضلة بالقسي، والمسابقة على الخيل، فذلك جائز وفاقاً.
الثالث : أن لا يكون فيه عوض كالمصارعة ونحوها. ففي ذلك قولان للشافعية : رجح الجواز، إن كان بغير عوض، أو بعوض يكون دفعه على سبيل الرضا ؛ لأنه ﷺ صارع يزيد بن ركانة.