فَلَمَّا ضَمِنَ رَبُّهُ لَهُ أَمْنَ ضَيَاعِ شَيْءٍ مِنْهُ بِعَدَمِ حِفْظِهِ عِنْدَ تَلَقِّيهِ، أَوْ نِسْيَانِهِ بَعْدَهُ، زَالَ خَوْفُهُ، وَتَرَكَ الِاسْتِعْجَالَ بِقِرَاءَتِهِ.
وَهَذِهِ السُّورَةُ الطَّوِيلَةُ نَزَلَتْ عَلَيْهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَأَكْثَرِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ حَتَّى الطَّوَالِ مِنْهَا كَسُورَةِ الْأَنْعَامِ، فَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي مِنْ هَذَا التَّرْتِيبِ وَالنَّسَقِ لَهَا وَلَا مِنْ مَوْضُوعِهَا شَيْئًا قَبْلَ وَحْيِهَا، وَلَا يُحِيطُ بِهِ إِلَّا أَنْ يُكْمِلَ لَهُ تَلَقِّيَهَا عَنِ الرُّوحِ الْأَمِينِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَلَكِنَّ الْعَجَبَ أَنْ يَغْفَلَ عَنْهُ أَوْ يَجْهَلَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، فُرْسَانُ الْبَلَاغَةِ الْفَنِّيَّةِ، وَالْآنَ قَدْ بَيَّنْتُهُ لِقَارِئِ هَذَا التَّفْسِيرِ لِيَفْطِنَ لِدَلَالَةِ السُّورَةِ بِنَظْمِهَا وَبَلَاغَتِهَا عَلَى إِعْجَازِ الْقُرْآنِ اللَّفْظِيِّ، وَبِمَا فِيهَا مِنَ التَّشْرِيعِ وَعِلْمِ الْغَيْبِ عَلَى إِعْجَازِهِ الْمَعْنَوِيِّ، وَبِالْإِعْجَازَيْنِ كِلَيْهِمَا عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِسَالَتِهِ،


الصفحة التالية
Icon