عن الحسن أنه سئل النبي ﷺ عن قوله :﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فقال :"صبر لا شكوى فيه فمن بث لم يصبر" ويدل عليه من القرآن قوله تعالى :﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى الله﴾ [ يوسف : ٨٦ ] وقال مجاهد : فصبر جميل، أي من غير جزع، وقال الثوري : من الصبر أن لا تحدث بوجعك ولا بمصيبتك، ولا تزكي نفسك، وههنا بحث وهو أن الصبر على قضاء الله تعالى واجب فأما الصبر على ظلم الظالمين، ومكر الماكرين فغير واجب، بل الواجب إزالته لا سيما في الضرر العائد إلى الغير، وههنا أن إخوة يوسف لما ظهر كذبهم وخيانتهم فلم صبر يعقوب على ذلك ؟ ولم لم يبالغ في التفتيش والبحث سعياً منه في تخليص يوسف عليه السلام عن البلية والشدة إن كان في الأحياء وفي إقامة القصاص إن صح أنهم قتلوه، فثبت أن الصبر في المقام مذموم.
ومما يقوي هذا السؤال أنه عليه الصلاة والسلام كان عالماً بأنه حي سليم لأنه قال له :﴿وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ [ يوسف : ٦ ] والظاهر أنه إنما قال هذا الكلام من الوحي وإذا كان عالماً بأنه حي سليم فكان من الواجب أن يسعى في طلبه.
وأيضاً إن يعقوب عليه السلام كان رجلاً عظيم القدر في نفسه، وكان من بيت عظيم شريف، وأهل العلم كانوا يعرفونه ويعتقدون فيه ويعظمونه فلو بالغ في الطلب والتفحص لظهر ذلك واشتهر ولزال وجه التلبيس فما السبب في أنه عليه السلام مع شدة رغبته في حضور يوسف عليه السلام، ونهاية حبه له لم يطلبه مع أن طلبه كان من الواجبات، فثبت أن هذا الصبر في هذا المقام مذموم عقلاً وشرعاً.