قوله :﴿أَكْرِمِى مَثْوَاهُ﴾ أي منزله ومقامه عندك من قولك ثويت بالمكان إذا أقمت به، ومصدره الثواء والمعنى : اجعلي منزله عندك كريماً حسناً مرضياً بدليل قوله :﴿إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ﴾ وقال المحققون : أمر العزيز امرأته بإكرام مثواه دون إكرام نفسه، يدل على أنه كان ينظر إليه على سبيل الإجلال والتعظيم وهو كما يقال : سلام الله على المجلس العالي، ولما أمرها بإكرام مثواه علل ذلك بأن قال :﴿عسى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ أي يقوم بإصلاح مهماتنا، أو نتخذه ولداً، لأنه كان لا يولد له ولد، وكان حصوراً.
ثم قال تعالى :﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأرض﴾ أي كما أنعمنا عليه بالسلامة من الجب مكناه بأن عطفنا عليه قلب العزيز، حتى توصل بذلك إلى أن صار متمكناً من الأمر والنهي في أرض مصر.
واعلم أن الكمالات الحقيقية ليست إلا القدرة والعلم وأنه سبحانه لما حاول إعلاء شأن يوسف ذكره بهذين الوصفين، أما تكميله في صفة القدرة والمكنة فإليه الإشارة بقوله :﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأرض﴾ وأما تكميله في صفة العلم، فإليه الإشارة بقوله :﴿وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الاحاديث﴾ وقد تقدم تفسير هذه الكلمة.
واعلم أنا ذكرنا أنه عليه السلام لما ألقى في الجب قال تعالى :
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا﴾ [ يوسف : ١٥ ] وذلك يدل ظاهراً على أنه تعالى أوحى إليه في ذلك الوقت.