والجواب : أنه يدل عليه دلالة ظاهرة لأن قوله عليه السلام أعوذ بالله معاذاً، طلب من الله أن يعيذه من ذلك العمل، وتلك الإعاذة ليست عبارة عن إعطاء القدرة والعقل والآلة، وإزاحة الأعذار، وإزالة الموانع وفعل الألطاف، لأن كل ما كان في مقدور الله تعالى من هذا الباب فقد فعله، فيكون ذلك إما طلباً لتحصيل الحاصل، أو طلباً لتحصيل الممتنع وأنه محال فعلمنا أن تلك الإعاذة التي طلبها يوسف من الله تعالى لا معنى لها، إلا أن يخلق فيه داعية جازمة في جانب الطاعة وأن يزيل عن قلبه داعية المعصية، وذلك هو المطلوب، والدليل على أن المراد ما ذكرناه ما نقل أن النبي ﷺ لما وقع بصره على زينب قال :" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " وكان المراد منه تقوية داعية الطاعة، وإزالة داعية المعصية فكذا ههنا، وكذا قوله عليه السلام :" قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن " فالمراد من الأصبعين داعية الفعل، وداعية الترك وهاتان الداعيتان لا يحصلان إلا بخلق الله تعالى، وإلا لافتقرت إلى داعية أخرى ولزم التسلسل فثبت أن قول يوسف عليه السلام :﴿مَعَاذَ الله﴾ من أدل الدلائل على قولنا والله أعلم.
السؤال الثالث : ذكر يوسف عليه السلام في الجواب عن كلامها ثلاثة أشياء : أحدها : قوله :﴿مَعَاذَ الله﴾ والثاني : قوله تعالى عنه :﴿إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ﴾ والثالث : قوله :﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون﴾ فما وجه تعلق بعض هذا الجواب ببعض ؟