﴿إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها﴾ [ القصص : ١٠ ] أي لأبدت به، وأما ما ورد عن السلف مما يعارض ذلك فلم يصح منه شيء عن أحد منهم مع أن الأقوال التي رويت عنهم إذا جمعت تناقضت فتكاذبت، ولا يساعد على شيء منها كلام العرب لأنهم قدروا جواب " لولا " المحذوف بما لا دليل عليه من سابق الكلام ولا لاحقه - نبه على ذلك الإمام أبو حيان، وسبقه إلى ذلك الإمام الرازي وقال : إن هذا قول المحققين من المفسرين، وأشبع في إقامة الدلائل على هذا بما يطرب الأسماع، وقدم ما يدل على جواب الشرط ليكون أول ما يقرع السمع ما يدل على أنه كان في غاية القدرة على الفعل، وأنه ما منعه منه إلاّ العلم بالله، فكأنه قيل : إن هذا التثبيت عظيم، فقيل إشارة إلى أنه لازم له كما هو شأن العصمة :﴿كذلك﴾ أي مثل ذلك التثبيت نثبته في كل أمر ﴿لنصرف عنه السوء﴾ أي الهمّ بالزنا وغيره ﴿والفحشاء﴾ أي الزنا وغيره، فكأنه قيل : لِمَ فعل به هذا؟ فقيل ﴿إنه من عبادنا﴾ أي الذين عظمناهم بما لنا من العظمة ﴿المخلصين﴾ أي هو في عداد الذين هم خير صرف، لا يخالطهم غش، ومن ذريتهم أيضاً، وهذا مع قول إبليس ﴿لأغوينهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين﴾ [ ص : ٨٣ ] شهادة من إبليس أن يوسف عليه الصلاة والسلام بريء من الهمّ في هذه الواقعة ؛ قال الإمام : فمن نسبه إلى الهمّ إن كان من أتباع دين الله فليقبل شهادة الله، وإن كان من أتباع إبليس وجنوده فليقبل شهادة إبليس بطهارته، قال : ولعلهم يقولون : كنا تلامذة إبليس ثم زدنا عليه - كما قيل :
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى...
من الأمر حتى صار إبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أحسن بعده...
طراييق فسق ليس يحسنها بعدي. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٣٠ ـ ٣١﴾


الصفحة التالية
Icon